وقال الجوهري: وكانت العرب تسمي يوم الاثنين «أهون» في أسمائهم القديمة. فهذا يشعر بأن لها أسماء وهي هذه المتعارفة إلى آخرها الآن. وقيل: إن أول من سمى العروبة «الجمعة» كعب بن لؤي، فيحتاج من قال إنهم غيّروها إلى الجمعة، فأبقوها على تسمية العروبة إلى نقل خاص.
الثالث: تقدم أن صلاة الجمعة صلتها الصحابة بالمدينة قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فقيل ذلك بإذن من النبي صلى الله عليه وسلم لما رواه الدارقطني عن ابن عباس، قال: أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجمعة قبل أن يهاجر، ولم يستطع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن يجمع بمكة ولا [يبدي] لهم،
فكتب إلى مصعب بن عمير رضي الله عنه:«أما بعد فانظر اليوم الذي تجهر فيه اليهود بالزبور لسبتهم، فاجمعوا نساءكم وأبناءكم، فإذا مال النهار عن شطره عند الزوال من يوم الجمعة فتقربوا إلى الله تعالى بركعتين» .
قال: فأول من جمع مصعب بن عمير حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فجمّع عند الزوال من الظهر، وأظهر ذلك. وفي سنده أحمد بن محمد بن غالب الباهلي، وهو متهم بالوضع. قال في الزهر:«والمعروف في هذا المتن الإرسال، رويناه في كتاب الأوائل لأبي عروبة الحراني» قال: «حدّثنا هاشم بن القاسم حدثنا ابن وهب حدثنا ابن جريج عن سليمان بن موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى مصعب به» . وقيل باجتهاد الصحابة، روى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال: جمع أهل المدينة قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل أن تنزل الجمعة، فقالت الأنصار: إن لليهود يوما يجمّعون فيه كل سبعة أيام، وللنصارى مثل ذلك فهلمّوا فلنجعل يوما تجمّع فيه فنذكر الله ونصلي ونشكر. فجعلوه يوم العروبة، واجتمعوا إلى أسعد بن زرارة، فصلى بهم يومئذ، وأنزل الله تعالى بعد ذلك: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة ٩] قال الحافظ: وهذا وإن كان مرسلا فله شاهد بإسناد حسن، رواه أبو داود وابن ماجة، وصححه ابن خزيمة وغير واحد من حديث كعب بن مالك قال:«كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أسعد بن زرارة» ، الحديث وقد تقدّم، فمرسل ابن سيرين يدل على أن أولئك الصحابة اختاروا يوم الجمعة باجتهاد، ولا يمنع ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلّم علمه بالوحي وهو بمكة، فلم يتمكن من إقامتها كما في حديث ابن عباس والمرسل بعده، ولذلك جمع بهم أول ما قدم المدينة كما حكاه ابن إسحاق وغيره، وعلى هذا فقد حصلت الهداية للجمعة بخبر نبيّ البيان والتوفيق. وقيل: الحكمة في اختيارهم الجمعة وقوع خلق آدم فيه، والإنسان إنما خلق للعبادة، فناسب أن يشتغل بالعبادة فيه، وكان الله تعالى أكمل فيه الموجودات وأوجد فيه الإنسان الذي ينتفع بها، فناسب أن يشكر الله على ذلك بالعبادة فيه، ولهذا تتمة تأتي في الخصائص أن شاء الله تعالى.