- صلى الله عليه وسلم- من المؤمنين لما فيه من التنويه من الله تعالى بعبده والرفع لذكره، فلأن يكون ذلك على لسان غيره أنوه به وأفخم لشأنه، وهذا معنى بيّن، فإن الله تعالى يقول: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ [سورة الشرح، الآية: ٤] ، فمن رفع ذكره أن أشار به على لسان غيره» . انتهى كلام السهيلي- وهذا حسن بديع.
الثامن: من أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ من طريق عبد العزيز بن مروان- وهو تالف- عن عبد الله بن الزبير قال: «أخذ الأذان من أذان إبراهيم عليه السلام وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [سورة الحج، الآية: ٢٧] الآية، قال: «فأذّن النبي- صلى الله عليه وسلم-» ، وما رواه أبو نعيم بسند فيه مجاهيل عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: «أن جبريل نادى بالأذان لآدم عليه السلام حين أهبط من الجنة» .
التاسع: ذكر بعضهم مناسبة اختصاص بلال بالأذان دون غيره، كونه لما عذّب ليرجع عن الإسلام كان يقول: أحد أحد، فجوزي بولاية الأذان المشتمل على التوحيد من ابتدائه إلى انتهائه.
العاشر: استشكل إثبات حكم الأذان برؤيا عبد الله بن زيد، ورؤيا غير الأنبياء لا ينبني عليها حكم شرعي. وأجيب باحتمال مقارنة الوحي لذلك بأنه- صلى الله عليه وسلم- أمر بمقتضاها لينظر أيقرّ على ذلك أم لا، ولا سيما لما رأى نظمها يبعد دخول الوسواس فيه، ويؤيد الأول حديث عبيد بن عمير، أحد كبار التابعين:
«أن عمر لما رأى الأذان جاء ليخبر النبي- صلى الله عليه وسلم-: فوجد الوحي قد ورد بذلك فما راعه إلا أذان بلال» . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «سبقك بذلك الوحي»
[ (١) ] .
وهذا أصحّ كما حكاه الداودي عن ابن إسحاق «أن جبريل أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- بالأذان قبل أن يخبره عبد الله بن زيد بثمانية أيام» .
الحادي عشر: قيل أن الحكمة في تثنية الأذان وإفراد الإقامة أن الأذان إعلام للغائبين متكرّر ليكون أوصل إليهم، بخلاف الإقامة فإنها للحاضرين، ومن ثمّ استحبّ أن يكون الأذان في مكان عال بخلاف الإقامة، وأن يكون الصوت في الأذان أرفع منه في الإقامة.
الثاني عشر: في بيان غريب ما سبق:
«بدء» الأذان، بفتح الموحدة وسكون الدال [المهملة] وبالهمزة، أي ابتداؤه.
«الحين» : الزمان قل أو كثر.
[ (١) ] أخرجه أبو داود في المراسيل (٨١) حديث (٢٠) وذكره السيوطي في الجامع الكبير من حديث الشعبي مرسلا وعزاه للضياء في المختارة.