للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى ابن عائذ عن عروة بن الزبير: إن أول من أتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من اليهود أبو ياسر بن أخطب أخو حيي بن اخطب، فسمع منه، فلما رجع قال لقومه: «أطيعوني فإن هذا هو النبي الذي كنّا ننتظره» فعصاه أخوه، وكان مطاعا فيهم، فاستحوذ عليهم الشيطان فأطاعوه.

وروى أبو سعيد النيسابوري في الشرف عن سعيد بن جبير قال: «جاء ميمون بن يامين، وكان رأس يهود، إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا رسول الله ابعث إليهم واجعلني حكما بينهم فإنهم يرجعون لي» فأدخله داخلا، ثم أرسل إليهم، فأتوه، فخاطبوه، فقال: «اختاروا رجلا يكون حكما بيني وبينكم» .

قالوا: «قد رضينا ميمون بن يامين» . فلما خرج إليهم قال: «أشهد أنه رسول الله» . فأبوا أن يصدّقوه.

وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لو آمن بي عشرة من أحبار يهود لآمن بي كل يهودي على وجه الأرض» [ (١) ] .

وروى ابن أبي حاتم وأبو سعيد النيسابوري وزاد في آخره قال: «وقال كعب: اثني عشر» ، وتصديق ذلك في [سورة المائدة] : وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً [المائدة ١٢] قال الحافظ: فعلى هذا فالمراد عشرة مختصة، وإلّا فقد آمن به صلى الله عليه وسلم أكثر من عشرة، وقيل


[ () ] بين أهل هذه الصحيفة من حدث يخيف فساده فان أمره إلى الله وإلى محمد النبي، وأن بينهم النصر على من دهم يثرب وأنهم إذا دعوا اليهود إلى صلح حليف لهم فإنهم يصالحونه، وإن دعونا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين، إلا من حارب الدين، وعلى كل أناس حصتهم من النفقة. وأن يهود الأوس ومواليهم وأنفسهم مع البر المحسن من أهل هذه الصحيفة، وأن بني الشطبة بطن من جفنة، وأن البر دون الإثم فلا يكسب كاسب إلا على نفسه وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره. لا يحول الكتاب دون ظالم ولا آثم، وأنه من خرج آمن، ومن قعد آمن، إلا من ظلم وأثم، ولى أولاهم بهذه الصحيفة البر المحسن.
قال أبو عبيد: قوله «بنو فلان على رباعتهم» الرباعة هي المعاقل. وقد يقال: فلان رباعة قومه، إذا كان المتقلد لأمورهم، والوافد على الأمراء فيما ينوبهم. وقوله: «إن المؤمنين لا يتركون مفرحا في فداء» المفرح: المثقل بالدين، يقول: فعليهم أن يعينوه، إن كان أسيرا فك من إساره، وإن كان جنى جناية خطأ عقلوا عنه وقوله: «ولا يجير مشرك مالا لقريش» يعني اليهود الذين كان وادعهم، يقول: فليس من موادعتهم أن يجيروا أموال أعدائه، ولا يعينوهم عليه. وقوله: «ومن اعتبط مؤمنا قتلا فهو قود» الاعتباط: أن يقتله بريا محرم الدم. وأصل الاعتباط في الإبل: أن تنحر بلا داء يكون بها. وقوله: «إلا أن يرضي أولياء المقتول بالعقل» فقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الخيار في القود أو الدية إلى أولياء القتيل. وهذا مثل حديثه الآخر «ومن قتل له قتيل فهو بأحد النظرين إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية» وهذا يرد قول من يقول ليس للولي في العمد أن يأخذ الدية إلا بطيب نفس من العاقل ومصالحة منه له عليها. وقوله: «ولا يحل لمؤمن أن ينصر محدثا أو يؤويه» المحدث: كل من أتى حدا من حدود الله عز وجل، فليس لأحد منعه من إقامة الحد عليه. وهذا شبيه بقوله الآخر: «من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره» وقوله: «لا يقبل منه صرف ولا عدل» .
حدثنا هشيم عن رجل قد سماه عن مكحول قال: «الصرف التوبة والعدل: الفدية» .
قال أبو عبيد: وهذا أحب إلي من قول من يقول الفريضة والتطوع لقول الله تبارك وتعالى. (ولا يؤخذ منها عدل) فكل شيء فدي به شيء فهو عدله وقوله «وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين» فهذه النفقة في الحرب خاصة، شرط عليهم المعاونة له على عدوه. ونرى أنه أنما كان يسهم لليهود إذا غزوا مع المسلمين بهذا الشرط الذي شرطه عليهم من النفقة. ولولا هذا لم يكن لهم في غنائم المسلمين سهم. الأموال ١٩٣، ١٩٤، ١٩٥، ١٩٦، ١٩٧.
[ (١) ] أخرجه أحمد في المسند ٢/ ٣٤٦ وابن عدي في الكامل ٦/ ٢٢٢١ وذكره المتقي الهندي في الكنز (١٣٤٧) .