وروى إسحاق بن راهويه بسند صحيح عن ابن عباس قال:«الروح من الله، وخلق من خلق الله، وصور كبني آدم، لا ينزل ملك إلا ومعه أحد من الروح» . وقال الخطّابي:«حكوا في المراد بالروح في الآية أقوالا، وقال الأكثرون: سألوه عن الروح التي تكون بها الحياة في الجسد. وقال أهل النظر: «سألوه عن مسلك الروح وامتزاجها بالجسد، وهذا هو الذي استأثر الله بعلمه. وقال القرطبي: «الراجح أنهم سألوه عن روح الإنسان: لأن اليهود لا تعترف بأن عيسى روح الله، ولا نجهل أن جبريل ملك وأن الملائكة أرواح» . وقال الإمام فخر الدين:
«المختار أنهم سألوه عن الروح الذي هو سبب الحياة، وأن الجواب وقع على أحسن الوجوه، وبيانه: أن السؤال عن الروح يحتمل أن يكون عن ماهيّتها، وهل هي متحيّزة أم لا، وهل هي حالّة في متحيّز أم لا، وهل هي قديمة أو حادثة، وهل تبقى بعد انفصالها من الجسد أو تفنى، وما حقيقة تعذيبها وتنعيمها وغير ذلك من تعلّقاتها» ؟ قال:«وليس في السؤال ما يخصّص أحد هذه المعاني إلا أن الأظهر أنهم سألوه عن الماهيّة، وهل الروح قديمة أو حادثة؟ والجواب يدل على أنها شيء موجود مغاير للطبائع والأخلاط وتركيبها، فهي جوهر بسيط مجرّد لا يحدث إلا بمحدث، وهو قوله تعالى: «كن فكان» . قال: هي موجودة محدثة بأمر الله عز وجل، وتكوينه، ولها تأثير في إفادة الحياة للجسد، ولا يلزم من عدم العلم بكيفيتها المخصوصة نفيها.
الرابع: تنطّع قوم «فتباينت أقوالهم في الروح، فقيل: هي النّفس الداخل الخارج، وقيل الحياة، وقيل: جسم لطيف يحل في جميع البدن، وقيل: هي الدم، وقيل: هي عرض، حتى قيل: إن الأقوال بلغت المائة، ونقل ابن منده عن بعض المتكلمين إن لكل نبي خمس أرواح، وأن لكل مؤمن ثلاثا، ولكل حيّ واحدة.
الخامس: قال القاضي أبو بكر بن العربي: «اختلفوا في الروح والنفس، فقيل متغايران وهو الحق، وقيل: هما شيء واحد، وقد يعبّر بالروح عن النفس وبالعكس، كما يعبّر عن الروح وعن النفس بالقلب وبالعكس، وقد يعبّر عن الروح بالحياة حتى يتعدى ذلك إلى غير العقلاء بل إلى الجهّال مجازا.
قال تلميذه السّهيلي: يعني على مغايرة الروح والنفس قوله تعالى: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر: ٢٩] ، وقوله تعالى: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ [المائدة ١١٦] فإنه لا يصح جعل أحدهما موضع الآخر، ولولا التغاير لساغ ذلك.
السادس: في قوله تعالى: قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، قال الإمام فخر الدين الرازي:
«يحتمل أن يكون المراد بالأمر هنا الفعل كقوله تعالى: وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ [هود ٩٧]