بنيت على قطن أجمّ كأنّه ... فضلا إذا قعدت مداك رخام
وتكاد تكسل أن تجيء فراشها ... في جسم خرعبة وحسن قوام
أمّا النّهار فلا أفتّر ذكرها ... واللّيل توزعني بها أحلامي
أقسمت أنساها وأترك ذكرها ... حتّى تغيّب في الضّريح عظامي
يا من لعاذلة تلوم سفاهة ... ولقد عصيت على الهوى لوّامي
بكرت عليّ بسحرة بعد الكرى ... وتقارب من حادث الأيّام
زعمت بأنّ المرء يكرب عمره ... عدم لمعتكر من الأصرام
إن كنت كاذبة الّذي حدّثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبّة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرّة ولجام
تذر العناجيج الجياد بقفرة ... مرّ الدّموك بمحصد ورجام
ملأت به الفرجين فارمدّت به ... وثوى أحبّته بشرّ مقام
وبنو أبيه ورهطه في معرك ... نضر الإله به ذوي الإسلام
طحنتهم والله ينفذ أمره ... حرب يشبّ سعيرها بضرام
لولا الإله وجريها لتركنه ... جزر السّباع ودسنه بحوامي
من بين مأسور يشدّ وثاقه ... صقر إذا لاقى الأسنّة حامي
ومجدّل لا يستجيب لدعوة ... حتّى تزول شوامخ الأعلام
بالعار والذّلّ المبينّ إذ رأى ... بيض السيّوف تسوق كلّ همام
بيدي أغرّ إذا انتمى لم يخزه ... نسب القصار سميدع مقدام
بيض إذا لاقت حديدا صمّمت ... كالبرق تحت ظلال كلّ غمام
فأجابه الحارث بن هشام- وأسلم بعد ذلك- فقال:
القوم أعلم ما تركت قتالهم ... حتّى حبوا مهري بأشقر مزبد
وعرفت أني إن أقاتل واحدا ... أقتل ولا ينكل عدوّي مشهدي
فصددتّ عنهم والأحبّة فيهم ... طمعا لهم بعقاب يوم مفسد
وكان الأصمعي يقول: هذا أحسن ما قيل في الاعتذار عن الفرار. وكان خلف الأحمر يقول: أحسن ما قيل في ذلك أبيات هبيرة بن أبي وهب المخزوميّ:
لعمرك ما ولّيت ظهري محمّدا ... وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل
ولكنّني قلّبت أمري فلم أجد ... لسيفي مساغا إن ضربت ولا نبلي
وقفت فلمّا خفت ضيعة موقفي ... رجعت لعود كالهزبر أبي الشّبل