للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليها بفيه فاستخرج إحدى الحلقتين، ووقعت ثنيّته مع الحلقة، وذهبت لأصنع ما صنع، فقال: أقسمت عليك بحقي لما تركتني، ففعل كما فعل في المرة الأولى، فوقعت ثنيّته الأخرى مع الحلقة، فكان أبو عبيدة من أحسن الناس هتما، فأصلحنا من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتينا طلحة في بعض تلك الحفر، فإذا به بضع وسبعون أو أقل أو أكثر من طعنة وضربة ورمية، وإذا قد قطعت إصبعه فأصلحنا من شأنه [ (١) ] .

وذكر محمد بن عمر أن طلحة أصيب يومئذ في رأسه، فنزف الدم حتى غشي عليه، فنضح أبو بكر الماء في وجهه حتى أفاق فقال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: خيرا، هو أرسلني إليك، قال: الحمد لله، كلّ مصيبة بعده جلل.

وفي حديث أبي سعيد الخدري عن محمد بن عمر: أنّ الحلقتين لمّا نزعتا جعل الدم يسرب كما يسرب الشّنّ، فجعل مالك بن سنان يأخذ الدم بفيه ويمجّه منه ويزدرد منه، فقال له: «أتشرب الدّم؟» قال: نعم يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مسّ دمه دمي لم تصبه النّار» .

وترّس دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو دجانة بنفسه، يقع النّبل في ظهره وهو ينحني عليه، حتى كثر عليه النبل وهو لا يتحرك.

وقاتل عبد الرحمن بن عوف قتالا شديدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصيب فوه فهتم، وجرح عشرين جراحة أو أكثر، وجرح في رجله، وكان يعرج منها. وروى ذلك الحاكم عن إبراهيم بن سعد. وقاتل سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتالا شديدا.

روى الحاكم عن عائشة بنت سعد عن أبيها قال: لما جال النّاس يوم أحد تلك الجولة تنحّيت فقلت: أذود عن نفسي، فإمّا أنجو وإما أن أستشهد، فإذا رجل محمرّ وجهه قد كاد المشركون أن يركبوه، فملأ يده من الحصا فرماهم به، وإذا بيني وبينه المقداد، فأردت أن أسأله عن الرّجل، فقال لي: «يا سعد هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوك» فقمت ولكأنه لم يصبني شيء من الأذى، فأتيته فأجلسني أمامه فجعلت أرمي وأقول: «اللهم سهمك فارم به عدوّك»

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم استجب لسعد، اللهم سدّد لسعد رميته، إيها سعد، فداك أبي وأمي» ، فما من سهم أرمي به إلّا قال رسول الله: «اللهم سدد رميته، وأجب دعوته» ،

حتى إذا فرغت من كنانيّ نثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما في كنانته فنبلني سهما نضيّا قال وهو الذي قد ريش وكان أسدّ من غيره [ (٢) ] .


[ (١) ] أخرجه البيهقي في الدلائل ٣/ ٣٦٣ وأبو نعيم في الحلية ١/ ٨٧ وذكره ابن حجر في المطالب (٤٣٢٧) والمتقي الهندي في الكنز (٣٠٠٢٥) .
[ (٢) ] أخرجه الترمذي (٣٧٥١) والحاكم في المستدرك ٣/ ٤٩٩ والطبراني في الكبير ١/ ١٠٥.