للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاءت أم سعد بن معاذ، وهي كبشة بنت رافع تعدو نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وقف على فرسه، وسعد بن معاذ آخذ بعنان فرسه، فقال سعد: يا رسول الله! أمّي!، فقال: «مرحبا بها» ، فدنت حتى تأملت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالت: أما إذ رأيتك سالما فقد أشوت المصيبة، فعزّاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمرو بن معاذ ابنها، ثم قال: «يا أمّ سعد، أبشري وبشّري أهليهم: أنّ قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعا، وقد شفّعوا في أهليهم» قالت: رضينا يا رسول الله، ومن يبكي عليهم بعد هذا؟ ثم قالت: يا رسول الله ادع لمن خلّفوا فقال: «اللهم أذهب حزن قلوبهم، واجبر مصيبتهم، وأحسن الخلف على من خلّفوا» ، ثم قال: «خلّ يا أبا عمرو- يعني سعد بن معاذ- الدّابّة» ، فخلّى سعد الفرس، فتبعه النّاس، فقال: «أبا عمرو إنّ الجراح في أهل دارك فاشية، وليس منهم مجروح إلا يأتي يوم القيامة جرحه كأغزر ما كان، اللّون لون الدّم، والرّيح ريح المسك، فمن كان مجروحا فليقرّ في داره وليداو جرحه، ولا يبلغ معي بيتي، عزيمة منّي» . فنادى فيهم سعد: عزيمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ألّا يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم جريح من بني عبد الأشهل، فتخلّف كلّ مجروح، فباتوا يوقدون النّيران، ويداوون الجرحى، ومضى سعد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء بيته، فما نزل نبي الله صلّى الله عليه وسلم، عن فرسه إلا حملا، واتّكأ على سعد بن عبادة وسعد بن معاذ، حتى دخل بيته، فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة، فقال: «اغسلي عن هذا دمه، فو الله لقد صدقني اليوم» ، وناولها علي بن أبي طالب سيفه، فقال: «وهذا، فاغسلي عنه دمه، فو الله لقد صدقني اليوم» ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«لئن كنت صدقت القتال لقد صدقه معك سهل بن حنيف وأبو دجانة» .

وروى الحاكم بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء علي بسيفه يوم أحد وقد انحنى، فقال لفاطمة: هاك السيف حميدا، فإنه قد شفاني اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن أجدت الضّرب بسيفك لقد أجاد سهل بن حنيف، وأبو دجانة، وعاصم بن ثابت، والحارث بن الصّمّة» .

قال ابن هشام: وحدّثني بعض أهل العلم أنّ ابن أبي نجيح قال: نادى مناد يوم أحد:

لا سيف إلّا ذو الفقا ... ر ولا فتّى إلّا عليّ

يعني بذي الفقار سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي غنمه يوم بدر، وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد.

ولما أذّن بلال بصلاة المغرب خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على تلك الحال، يتوكّأ على السّعدين، فصلّى بهم، ثم عاد إلي بيته. ومضى سعد بن معاذ إلى نسائه ونساء قومه، فساقهنّ حتى لم تبق امرأة إلا جاء بها إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يبكين حمزة بين المغرب