للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- صلى الله عليه وسلّم: «لا يصلّينّ أحد العصر إلّا في بني قريظة» [ (١) ] . إلخ. ووافق البخاري على لفظ العصر من طريق جويرية الإسماعيليّ، وأبو نعيم من طريق أبي حفص السلمي عن جويرية وأصحاب المغازي. ورواه الطبراني، والبيهقي في الدّلائل بإسناد صحيح إلى الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن عمّه عبيد الله بن كعب. ورواه الطبراني أيضا من هذا الوجه موصولا بذكر كعب بن مالك والبيهقي عن عائشة- رضي الله عنها- ورواه مسلم عن عبد الله بن محمد بن أسماء بسنده وقال: «لا يصلّينّ أحد الظّهر إلّا في بني قريظة» [ (٢) ] . ووافقه ابن سعد، وأبو يعلى، وابن حبان، وأبو نعيم من غير طريق أبي حفص السابق،

قال الحافظ: ولم أره عن جويرية- من غير طريق أبي حفص السلمي إلّا بلفظ الظهر، وجمع بينهما باحتمال أن يكون بعضهم قبل الأمر كان صلّى الظّهر، وبعضهم لم يصلّها. فقيل لمن لم يصلّها، لا يصلّينّ أحد الظّهر، ولمن صلّاها لا يصلّينّ أحد العصر. أو أن طائفة منهم راحت بعد طائفة، فقيل للطّائفة الأولى الظّهر، والتي بعدها العصر.

قال الحافظ: وهو جمع لا بأس به، لكن يبعده اتحاد مخرج الحديث، لأنّه عند الشيخين كما بيناه بإسناد واحد من مبدئه إلى منتهاه، فيبعد أن يكون كل من رجال إسناده حدّث به.

على الوجهين إذ لو كان كذلك لحمله واحد منهم عن بعض رواته، وسبق الكلام على ذلك، ثم قال: هذا كلّه من حيث حديث ابن عمر، أما بالنظر إلى حديث غيره فالاحتمالان المتقدمان في كونه قال «الظّهر» لطائفة متجه فيحتمل أن رواية «الظهر» هي التي سمعها ابن عمر، ورواية «العصر» هي التي سمعها كعب بن مالك، وعائشة- رضي الله عنهما- وقيل في وجه الجمع أيضا

أن يكون- صلى الله عليه وسلم- قال لأهل القوّة، أو لمن كان منزله قريبا «لا يصلّين أحد الظّهر»

وقال لغيرهم: «لا يصلّين أحد العصر» .

الثّالث: أغرب ابن التين فادّعى أن الذين صلوا «العصر» صلّوا على ظهور دوابهم، واستند إلى أن النزول إلى الصلاة ينافي مقصود الإسراع في الوصول. قال: فأما الذين لم يصلّوها عملوا بالدليل الخاصّ وهو الأمر بالإسراع فتركوا عموم إيقاع «العصر» في وقتها إلى أن فات، والذين صلّوا جمعوا بين دليلي وجوب الصّلاة ووجوب الإسراع فصلّوا ركبانا، لأنهم لو صلّوا نزولا لكان مضادا لما أمروا به من الإسراع، ولا يظن ذلك بهم مع ثقوب أفهامهم قال الحافظ: وفيه نظر، لأنه لم يأمرهم بترك النّزول، فلعلهم فهموا أن المراد بأمرهم ألا يصلّوا العصر إلّا في بني قريظة المبالغة في الأمر بالإسراع، فبادروا إلى امتثال أمره وخصوا وقت


[ (١) ] أخرجه البخاري في صلاة الخوف حديث (٩٤٦) .
[ (٢) ] مسلم في الجهاد باب ٢٣ رقم (٦٩) وابن سعد ٢/ ١/ ٥٤ والبيهقي في دلائل النبوة ٤/ ٦.