للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معه، وأكون لكم عينا آتيكم بخبره، فبعثته قريش إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فجاء رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا محمد، تركت كعب ابن لؤي وعامر بن لؤي على أعداد مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل قد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم، قد لبسوا جلود النّمور، وهم يقسمون بالله لا يخلّون بينك وبين البيت حتى تجتاحهم، وإنما أنت ومن قاتلهم بين أحد أمرين أن تجتاح قومك ولم يسمع برجل اجتاح قومه وأهله قبلك. أو بين أن يخذلك من ترى معك، وإني والله لا أرى معك وجوها وإني لا أرى إلا أوباشا، وفي رواية: فإني لأرى أشوابا [ (١) ] من الناس، لا أعرف وجوههم ولا أنسابهم، وخليقا أن يفرّوا ويدعوك. وفي رواية: وكأني بهم لو قد لقيت قريشا أسلموك فتؤخذ أسيرا، فأيّ شيء أشدّ عليك من هذا؟ فغضب أبو بكر- وكان قاعدا خلف رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- فقال: أمص بظر اللّات، أنحن نخذله أو نفرّ عنه؟! فقال عروة: من ذا؟ قالوا: أبا بكر. فقال عروة: أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجيبنّك.

وكان عروة قد استعان في حمل دية فأعانه الرجل بالفريضتين والثلاث، وأعانه أبو بكر بعشر فرائض فكانت هذه يد أبي بكر عند عروة، وطفق عروة كلّما كلّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسّ لحية رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- والمغيرة ابن شعبة قائم على رأس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالسيف، - على وجهه المغفر- لمّا قدم عروة لبسها، فطفق المغيرة كلّما أهوى عروة بيده ليمسّ لحية النّبيّ- عليه الصلاة والسلام- يقرع يده بنعل السّيف ويقول: أكفف يدك عن مسّ لحية رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- قبل ألّا تصل إليك، فإنّه لا ينبغي لمشرك أن يمسّه. فلما أكثر عليه غضب عروة وقال: ويحك!! ما أفظّك وأغلظك! وقال: ليت شعري!! من هذا الذي آذاني من بين أصحابك؟ والله لا أحسب فيكم ألأم منه ولا أشرّ منزلة.

فتبسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: «هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة»

فقال عروة: وأنت بذلك يا غدر، والله ما غسلت عنك غدرتك بعكاظ إلّا أمس، لقد أورثتنا العداوة من ثقيف إلى آخر الدهر- وسيأتي في ترجمة المغيرة بيان هذه الغدرة.

وجعل عروة يرمق أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- بعينه، فو الله ما يتنخّم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلوا على وضوئه، ولا يسقط شيء من شعره إلا أخذوه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر إليه، تعظيما له.

فلما فرغ عروة من كلام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وردّ عليه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مثل ما قال لبديل بن ورقاء وكما عرض عليهم من المدة. فأتى عروة قريشا، فقال: يا قوم إني وفدت إلى


[ (١) ] الأوشاب الأوباش، والأخلاط من الناس، انظر المعجم الوسيط ٢/ ١٠٤٥.