للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي أصحابه حتى انتهى إلي ذكر البيعة فقال عز وجل إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ بيعة الرضوان بالحديبية إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ أي ما يبايعون أحدا إلّا الله، أي ليست تلك المبايعة مع رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بل مع الله- تعالى- وكما روعيت المشاكلة بين قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ وبين قوله إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ بنى عليها قوله يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ على سبيل الاستعارة التخييلية تتميما لمعنى المشاكلة، وهو كالترشيح للاستعارة، أي إذا كان اللَّه- تعالى- مبايعا، ولا بدّ للمبايع- كما تقرّر واشتهر- من الصّفقة لليد فتخيّل اليد لتأكيد المشاكلة، وإلّا، فجلّ جنابه الأقدس عن الجارحة، والمعنى أن الله تعالى- مطّلع على مبايعتهم فيجازيهم عليها فَمَنْ نَكَثَ نقض البيعة فَإِنَّما يَنْكُثُ يرجع وبال نقضه على نفسه وَمَنْ أَوْفى ثبت بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ في مبايعته فَسَنُؤْتِيه بالفوقية والنون أَجْراً عَظِيماً وهو الجنة، ثم ذكر تعالى ما المنافقون يعتلّون به إذا لقوا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال تبارك وتعالى: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ من الأَعراب حول المدينة، الذين خلّفهم الله- تعالى- عن صحبتك لمّا طلبتهم ليخرجوا معك إلى مكة، خوفا من تعرّض قريش لك عام الحديبية إذا رجعت منها شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا عن الخروج معك فَاسْتَغْفِرْ لَنا اللَّه- تعالى- من ترك الخروج معك، قال سبحانه وتعالى مكذبا لهم يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ أي من طلب الاستغفار والاعتذار ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ فهم كاذبون في اعتذارهم قُلْ فَمَنْ استفهام بمعنى النّفي، أي لا أحد يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا بفتح الضّاد- ما يضركم كقتل، وخلل في المال والأهل وعقوبة عن التخلف- وبضمها- أي [الهزال وسوء الحال] أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً ما يضاد ذلك، لأنهم ظنّوا أنّ تخلفهم عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يدفع عنهم الضّرر، ويعجّل لهم النّفع بالسلامة في أنفسهم وأموالهم، فأخبرهم تبارك وتعالى أنه إن أراد بهم شيئاً من ذلك لم يقدر أحد على دفعه بَلْ هنا وفيما يأتي للانتقال من غرض إلى آخر كانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً فيعلم تخلفكم وقصدكم فيه بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً أي ظننتم أن العدو يستأصلهم فلا يرجعون، وَزُيِّنَ ذلِكَ عدم الانقلاب فِي قُلُوبِكُمْ فتمكنّ فيها وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ هذا وغيره وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً بواو وراء جمع بائر أي هالكين عند الله- تعالى- بهذا الظّن وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا أعددنا وهيّئنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً نارا شديدة وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يديره كيف يشاء يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ إذ لا وجوب عليه وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ولم يزل متّصفا بذلك، ثم ذكر إن النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه إذا انطلقوا إلى مغانم ليأخذوها التمس المخلّفون الخروج لعرض من الدنيا، فقال تبارك وتعالى سَيَقُولُ لك الْمُخَلَّفُونَ المذكورون إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ