الله- تعالى- في الموضعين أنّه سيدخل في الإسلام خلق منهم، وسيخرج من أصلابهم ناس يسلمون ويجاهدون. وكان بمكة في الحديبية جمع كثير مؤمنون من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، فلو طرق الصحابة مكّة لما أمن أن يصاب منهم ناس بغير عمد كما أشار إلى ذلك تبارك وتعالى- في قوله: وَلَوْلا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ [الفتح ٢٥] الآية.
الثامن: استبعد المهلب جواز إطلاق حابس الفيل على الله عز وجل، وقال: المراد حبسها أمر الله سبحانه وتعالى. وتعقّب بأنه يجوز إطلاق ذلك في حق الله- تعالى- فيقال:
حبسها الله حابس الفيل، وإنما الذي يمكن أن يمنع تسميته- تعالى- حابس الفيل ونحوه، كما أجاب به بن المنير، وهو مبني على الصحيح من أن الأسماء توقيفيّة.
وقد توسّط الغزاليّ وطائفة فقالوا: محلّ المنع ما لم يرد نص بما يشتقّ منه بشرط ألّا يكون ذلك الاسم المشتقّ منه مشعرا بنقص، فيجوز تسميته بالواقي وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ [غافر ٩] ولا يجوز تسميته البنّاء وإن ورد في قوله تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ [الذاريات ٤٧] التاسع:
في قوله- صلى الله عليه وسلم-: «حبسها حابس الفيل»
جواز التّشبيه من الجهة العامّة، وإن اختلفت الجهة الخاصّة، لأن أصحاب الفيل كانوا على باطل محض، وأصحاب هذه النّاقة كانوا على حقّ محض، ولكن جاز التّشبيه من جهة أراده الله- تعالى- منع الحرم مطلقا، أما من أهل الباطل فواضح، وأمّا من أهل الحقّ فللمعنى الذي تقدم ذكره في الرابع.
العاشر:
قوله- صلى الله عليه وسلم-: «والذي نفسي بيده لا يسألوني اليوم خطّة..
. إلى آخره» . قال السهيلي رحمه الله: لم يقع في شيء من طرق الحديث، أنه قال إن شاء الله- تعالى- مع أنّه مأمور في ذلك في كلّ حال.
قال: والجواب عن ذلك إنه كان أمرا واجبا حتما، فلا يحتاج معه للاستثناء، وتعقب بأنّه- تعالى- قال في هذه القصّة لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ فقال: إن شاء الله، مع تحقيق وقوع ذلك تعليما وإرشادا، فالأولى أن يحمل على أنّ الاستثناء سقط من الراوي، أو كانت القصّة قبل نزول الأمر بذلك، ولا يعارضه كون الكهف مكّية، إذ لا مانع من أن يتأخّر نزول بعض السّورة،
وفي قوله- صلّى الله عليه وسلم- «والذي نفسي بيده»
إلخ تأكيد القول باليمين ليكون أدعى إلى القبول. وقد حفظ عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- الحلف في أكثر من ثمانين موضعا، كما سيأتي بسط ذلك في بابه.
الحادي عشر: في حديث البراء في شفير بئر الحديبية أنه- صلى الله عليه وسلّم- توضّأ فمضمض