للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بريء من مسلم بين المشركين» وهو قول الحنفية، وعند الشّافعية ضابط جواز الرّد أن يكون المسلم بحيث لا تجب عليه الهجرة من دار الحرب الثاني والثلاثون: قال النووي- رحمه الله- وافق النبي- صلى الله عليه وسلم- في ردّ من جاء من المشركين في ترك كتابته بسم الله الرحمن الرحيم وكتب باسمك اللهم، وفي ترك كتابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي ردّ من جاء منهم إلى المسلمين دون من جاء من المسلمين إليهم وإنما وافقهم في هذه الأمور للمصلحة المهمة الحاصلة بالصلح مع أنه لا مفسدة في هذه الأمور، أما البسملة وباسمك اللهم فمعناها واحد، وكذلك قوله: «محمد بن عبد الله» هو أيضا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وليس في ترك وصف الله تعالى في هذا الموضع بالرحمن الرحيم ما ينفى ذلك ولا في ترك وصفه- صلى الله عليه وسلّم- هنا بالرسالة لا ينفيها، ولا مفسدة فيما طلبوه، وإنما كانت المفسدة تكون لو طلبوا أن يكتبوا ما لا يحل من تعظيم آلهتهم ونحو ذلك، وإنما شرط ردّ من جاءنا منهم ومنع من ذهب إليهم فقد بين النبي- صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث الحكمة فيه بقوله:

«من ذهب منّا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا» . ثم كان كما قال- صلى الله عليه وسلم- فجعل الله للذين جاءونا منهم وردّهم إليهم فرجا ومخرجا. ثم كان كما قال- صلى الله عليه وسلم.

الثالث والثلاثون: في إتيان عمر أبا بكر رضي الله عنهما وإجابة أبي بكر لعمر بمثل ما أجاب به رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دلالة على أنه أكمل الصحابة وأعرفهم بأحوال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأعلمهم بأمور الدّين وأشدهم موافقة لأمر الله- تعالى- وسبق في باب إرادة الصّديق الهجرة قبل رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وردّ ابن الدغنة له، وقوله لقريش، إن مثله لا يخرج، ووصفه بنظير ما وصفت به خديجة- رضي الله عنها- رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من كونه يصل الرّحم ويحمل الكلّ ويعين على نوائب الحق وغير ذلك. فلما كانت صفاتهما متشابهة من الابتداء، استمر ذلك إلى الانتهاء، ولم يذكر عمر أنّه راجع أحدا بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- غير أبي بكر، وذلك لجلالة قدره وسعة علمه عنده.

الرابع والثلاثون: قول عمر- رضي الله عنه- فعملت لذلك أعمالا، قال بعض الشراح- رحمهم الله: أي من الذّهاب والمجيء والسؤال والجواب، لم يكن ذلك شكّا من عمر، بل طلبا من كشف ما خفي عليه، وحثا على إذلال الكفّار، لما عرف من قوّته في نصرة الدّين.

انتهى.

قال الحافظ: وتفسير الأعمال بما ذكر مردود، بل المراد الأعمال الصالحة ليكفر عنه ما مضى من التّوقّف في الامتثال ابتداء. وقد ورد عن عمر التّصريح بمراده بقوله: «أعمالا