حتى يقضي الله تعالى فيك ما يشاء» فقمت، فمضيت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني،
فقالوا: ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- بما اعتذر به إليه المخلّفون، قد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لك. فو الله ما زالوا يؤنّبوني، حتى أردت أن أرجع فأكذّب نفسي، فقلت: ما كنت لأجمع أمرين: أتخلف عن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وأكذبه، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا:
نعم رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أميّة الواقفي.
وعند ابن أبي حاتم من مرسل الحسن أن سبب تخلف الأول أنه كان له حائط حين زها، فقال في نفسه: قد غزوت قبلها فلو أقمت عامي هذا؟! فلما تذكر ذنبه قال: اللهم أشهدك أني قد تصدقت به في سبيلك. وأن الثاني كان له أهل تفرقوا ثم اجتمعوا فقال: لو أقمت هذا العام عندهم. فلما تذكر قال: اللهم لك على أن لا أرجع إلى أهلي ولا مالي.
قال كعب: فذكروا رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة، فمضيت حين ذكروهما لي. ونهى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه، فاجتنبنا الناس وتغيروا لنا- وعند ابن أبي شيبة. فطفقنا نغدو في الناس لا يكلمنا أحد، ولا يسلم علينا أحد، ولا يرد علينا سلاما، وعند عبد الرزاق وتنكر لنا الناس حتى ما هم بالذي نعرف وتنكرت لنا الحيطان حتى ما هي بالتي نعرف انتهى. ما من شيء أهم إلي من أن أموت فلا يصلي على رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- أو يموت فأكون من الناس بتلك المنزلة فلا يكلمني أحد ولا يصلى على- حتى تنكرت في نفسي الأرض حتى ما هي التي أعرف، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا، وقعدا في بيتهما يبكيان، وأما أنا فكنت أشبّ القوم وأجلدهم، فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع المسلمين، وأطوف الأسواق فلا يكلمني أحد، ولا يرد على سلاما وأتى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في مجلسه بعد الصّلاة فأسلم عليه وأقول في نفسي: هل حرّك شفتيه برد السلام عليّ أم لا؟ ثم أصلي قريبا منه فأسارقه النظر، فإذا أقبلت على صلاتي أقبل عليّ، فإذا التفت نحوه أعرض عني. حتى إذا طال على ذلك من جفوة الناس مشيت حتى تسوّرت جدار حائط أبي قتادة، وهو ابن عمي: أي أنه من بني سلمة وليس هو ابن عمه أخو أبيه الأقرب، قال كعب: وهو أحب الناس إلي، فسلمت عليه فو الله ما رد عليّ، فقلت له: يا أبا قتادة، أنشدك بالله، هل تعلمني أحبّ الله ورسوله؟ فسكت، فعدت له فنشدته فسكت [فعدت له فنشدته] فلم يكلمني، حتى إذا كان في الثالثة أو الرابعة قال: الله ورسوله أعلم. ففاضت عيناي، وتوليت حتى تسورت الجدار، قال فبينما أنا أمشي في سوق المدينة إذا بنب طي من