أنباط الشام ممن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: من يدل على كعب بن مالك؟ فطفق الناس يشيرون له، حتى إذا جاءني دفع إلى كتابا من ملك غسّان، وعند ابن أبي شيبة: من بعض من بالشام كتب إلى كتابا في سرقة حرير فإذا فيه: أما بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد جفاك فأقصاك ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فإن تك متحولا فالحق بنا نواسيك. فقلت: لما قرأتها: وهذا أيضاً من البلاء، قد طمع في أهل الكفر، فتيممت بها التّنّور فسجرته بها.
وعند ابن عائذ: أنه شكا قدره إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وقال: ما زال إعراضك عني حتى رغب فيّ أهل الشرك، قال كعب: حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين إذا رسول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يأتيني. قال محمد بن عمر: وهو خزيمة بن ثابت، وهو الرسول إلى مرارة وهلاك بذلك. قال كعب: فقال: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- يأمرك أن تعتزل امرأتك: أي عمرة بنت حمير ابن صخر بن أمية الأنصارية أو خيرة- بفتح الخاء المعجمة فالتحتانية- فقلت: أطلّقها أو ماذا أفعل؟ قال: لا بل اعتزلها ولا تقربها، وأرسل إلى صاحبي مثل ذلك. فقلت لامرأتي الحقي بأهلك، فتكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر. قال كعب: وجاءت امرأة هلال بن أمية، أي خولة بنت عاصم لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم- وعند ابن أبي شيبة: إنه شيخ قد ضعف بصره- انتهى. فهل تكره أن أخدمه؟ قال:
«لا، ولكن لا يقربك» قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء!! والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا. قال كعب: فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في امرأتك كما أذن لهلال بن أمية أن تخدمه، فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وما يدريني ما يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا استأذنته فيها، وأنا رجل شاب، فلبثت بعد ذلك عشر ليال حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- عن كلامنا.
وعند عبد الرزاق: وكانت توبتنا نزلت على النبي- صلى الله عليه وسلّم- ثلث الليل- فقالت أم سلمة:
يا نبي الله ألا نبشّر كعب بن مالك؟ قال: إذا يحطمكم الناس ويمنعونكم النوم سائر الليلة
قال:
وكانت أم سلمة تجيئه في ثاني عشرة بأمري فلمّا صلّيت الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا، فبينا أنا جالس على الحال الذي ذكره الله تعالى قد ضاقت عليّ نفسي وضاقت عليّ الأرض بما رحبت، سمعت صوتا صارخا أوفى على جبل سلع يقول بأعلى صوته: يا كعب بن مالك، أبشر- وعند محمد بن عمر- رحمه الله تعالى- أن الذي أوفى على سلع أبو بكر الصديق- رضي الله عنه- فصاح: قد تاب الله- تعالى- على كعب، يا كعب:
أبشر. وعند ابن عقبة أن رجلين سعيا يريدان كعبا يبشرانه، فسبق أحدهما، فارتقى المسبوق على سلع فصاح يا كعب، أبشر بتوبة الله- تعالى- وقد أنزل الله- تعالى- عز وجل فيكم القرآن، وزعموا أن اللذين سعيا أبو بكر وعمر، قال كعب: فخررت ساجدا أبكي فرحا بالتوبة،