للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حاجته. فأذن له أبرهة.

وكان عبد المطلب أوسم الناس وأجملهم وأعظمهم، فلما رآه أبرهة أجلّه وأكرمه عن أن يجلسه تحته وكره أن تراه الحبشة يجلسه معه على سريره، فجلس على بساطه وأجلس عبد المطلب معه إلى جنبه.

وفي «الدرّ المنظّم» أن عبد المطلب لما دخل على أبرهة سجد له فيل من الفيلة، وكان لا يسجد لأبرهة كغيره من الفيلة، فتعجب أبرهة من ذلك ودعا بالسحرة والكهان فسألهم عن ذلك فقالوا: إنه لم يسجد له وإنما سجد للنور الذي بين عينيه. انتهى.

ثم قال لترجمانه: قل له ما حاجتك؟ ففعل الترجمان، قال: حاجتي أن يردّ عليّ الملك مائتي بعير أصابها لي. فلما قال له ذلك قال أبرهة لترجمانه: قل له: قد كنت أعجبتني حين رأيتك ثم قد زهدت فيك حين كلّمتني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك جئت لهدمه لا تكلّمني فيه؟!.

قال عبد المطلب: أنا ربّ الإبل وإن للبيت ربّاً سيمنعه. قال: ما كان ليمتنع منيّ. قال:

أنت وذاك.

قال ابن السائب ومقاتل رحمهما الله تعالى: ثم أن عبد المطلب عرض على أبرهة أموال تهامة ويرجع عن خراب البيت، فأبى وردّ أبرهة على عبد المطلب الإبل التي أصاب فقلّدها وأشعرها وجلّلها وجعلها هدياً للبيت وبثّها في الحرام، فعمد القوم إليها فحملوا عليها وعقروا بعضها، فدعا عليهم عبد المطلب.

قال مقاتل: فقال عبد المطلب.

لا همّ أخز الأسود بن مقصود ... الآخذ الهجمة بعد التّقليد

فتلّها إلى طماطم سود ... بين ثبير وحرا والبيد

والمروتين والمساعي السّود ... يهدم البيت الحرام المقصود

قد أجمعوا أن لا يكون لك عيد ... أخفرهم ربّي وأنت المحمود

[ (١) ] وذكر ابن إسحاق- رحمه الله تعالى- نحوها لعكرمة بن عامر وهو من مسلمة الفتح.

فالله تعالى أعلم.


[ (١) ] انظر الروض الأنف ١/ ٧٠، ورواية الأبيات هناك هكذا:
لا همّ أخز الأسود بن مقصود ... الآخذ الهجمة فيها التقليد
بين حراء وثبير فالبيد ... يحبسها وهي أولات التطريد
فضمها إلى طماطم سود ... أخفره يا رب وأنت محمود