يا رسول اللَّه هذه سرية من سراياك تبعثها فيأتيك منها بعض ما تحب ويكون في بعضها اعتراض فتبعث عليا فيسهّله.
قال ابن إسحاق: ولما أبي جحدم ما صنع خالد قال: يا بني جذيمة ضاع الضّرب قد كنت حذرتكم ما وقعتم فيه.
قال وحدثني أهل العلم أنه انفلت رجل من القوم فأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخبره الخبر فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم:«هل أنكر عليه أحد؟» قال: نعم قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة فنهمه خالد فسكت عنه، وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب فراعه فاشتدت مراجعتهما. فقال عمر بن الخطاب: يا رسول اللَّه: أما الأول فابني عبد اللَّه وأما الآخر فسالم مولى أبي حذيفة.
قال عبد اللَّه بن عمر في حديثه السابق:«فلما قدمنا على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم ذكرنا ذلك له فرفع يديه وقال: «اللهم إني أبرأ إليك ممّا يصنع خالد» . مرتين رواه الإمام أحمد والبخاري والنسائي.
قال أبو جعفر محمد بن علي رضي اللَّه عنهم: فدعا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم علي ابن أبي طالب رضوان اللَّه عليه فقال: «يا علي اخرج إلى هؤلاء القوم فانظر في أمرهم واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك» . فخرج عليّ حتى جاءهم ومعه مال قد بعث به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال حتى إنه لودى لهم ميلغة الكلب، حتى إذا لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه بقيت معه بقيّة من المال، فقال لهم عليّ حين فرغ منهم:«هل بقي لكم مال لم يؤدّ إليكم؟» قالوا: لا. قال: فإني أعطيكم من هذه البقية من هذا المال احتياطا لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم مما لا يعلم ومما لا تعلمون» . ففعل ثم رجع إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فأخبره الخبر فقال:«أصبت وأحسنت» . ثم قام رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فاستقبل القبلة شاهرا يديه حتى إنه ليرى ما تحت منكبيه يقول:«اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد» [ (١) ] . ثلاث مرات.
وروى ابن إسحاق عن ابن أبي حدرد الأسلمي، وابن سعد عن عبد اللَّه بن عصام [المزني] عن أبيه، والنسائي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهم قال ابن أبي حدرد: كنت يومئذ في خيل خالد بن الوليد. وقال عصام: لحقنا رجلا فقلنا له: كافر أو مسلم؟ فقال: إن كنت كافرا فمه؟ قلنا له: إن كنت كافرا قتلناك. قال: دعوني أقضي إلى النسوان حاجة. وقال ابن عباس:
فقال إني لست منهم إني عشقت امرأة فلحقتها فدعوني انظر إليها نظرة ثم اصنعوا بي ما بدا لكم. وقال ابن أبي حدرد: فقال فتى من بني جذيمة- وهو في سنّي وقد جمعت يداه إلى عنقه برمّة ونسوة مجتمعات غير بعيد منه- يا فتى. فقلت ما تشاء؟ قال: هل أنت آخذ بهذه الرّمّة فقائدي إلى هؤلاء النسوة حتى أقضي إليهن حاجة، ثم تردّني بعد فتصنعوا بي ما بدا لكم؟
[ (١) ] أخرجه البخاري ٤/ ١٢٢ والنسائي ٨/ ٢٣٧ وأحمد في المسند ٢/ ١٥١ والبيهقي في السنن ٩/ ١١٥.