ووجّهوه نحو الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه نحو المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى جهة مكة فبرك وألقى جرانه إلى الأرض وجعل يعجّ عجّاً.
وفي رواية يونس بن بكير [ (١) ] عن ابن إسحاق أن الفيل لما ربض جعلوا يقسمون له بالله أنهم رادّوه إلى اليمن فيحرك لهم أذنيه- كأنه يأخذ عليهم بذلك عهداً- فإذا أقسموا عليه قام يهرول فيردّوه إلى مكة فيربض، فيحلفون له فيحرك أذنيه كالمؤكد عليهم القسم، ففعلوا ذلك مراراً.
وفي معاني القرآن للزّجاج أن دوابهم لم تسر نحو البيت، فإذا عطفوها راجعين سارت، فوعظهم الله تعالى بأبلغ موعظة.
فأقاموا على قصد أن يخربوا البيت فلم يزالوا يعالجون الفيل حتى غشيهم الليل.
وفي رواية يونس عن ابن إسحاق أنهم استشعروا العذاب في تلك الليلة، لأنهم نظروا إلى النجوم كالحة إليهم تكاد تكلمهم من اقترابها منهم، فلما كان السّحر أرسل الله الطير الأبابيل من البحر أمثال الخطاطيف مع كل طير منها ثلاثة أحجار يحملها، حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال العدس والحمص، ثم جاءت حتى صفّت على رؤوسهم، فلما رأوها أشفقوا منها وسقط في أيديهم، فصاحت وألقت ما في أرجلها ومناقيرها، فما من حجر وقع على جنب رجل إلا خرج من الجنب الآخر، وإن وقع على رأسه خرج من دبره ولا تصيب شيئاً إلا هشمته وإلا سقط ذلك الموضع. فكان أول ما رئي الجدري والحصبة، وبعث الله تعالى ريحاً شديدة فضربت بأرجلها فزادتها قوة.
وروى أبو نعيم عن عطاء بن يسار رحمه الله تعالى قال: حدثني من كلّم قائد الفيل وسائسه قال: إنهما أخبراني خبر الفيل قالا: أقبلنا ومعنا فيل الملك الأكبر لم يسر به قط إلى جمع إلاّ هزمهم، فلما دنونا من الحرم جعلنا كلما نوجهه إلى الحرم يربض، فتارة نضربه فيهبط وتارة نضربه حتى نملّ ثم نتركه. فلما بلغ المغمّس ربض فلم يقم فطلع العذاب، فقلت: نجا غيركما؟ نعم ليس كلهم أصابهم العذاب.
وولّى أبرهة ومن تبعه يريد بلاده، فكلما دخل أرضاً وقع منه عضو حتى انتهى إلي بلاد خثعم وليس عليه غير رأسه فمات. وأفلت وزيره وطائره يتبعه حتى وصل إلى النجاشي فأخبره بما جرى للقوم، فلما فرغ رماه الطير بحجره فمات بين يدي الملك.
وروى سعيد بن منصور عن عكرمة رحمه الله تعالى أن رؤوس هذه الطيور مثل رؤوس
[ (١) ] يونس بن بكير بن واصل الشيباني، أبو بكر الجمّال الكوفي، يخطئ، من التاسعة، مات سنة تسع وتسعين. التقريب ٢/ ٣٨٤.