للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بوجه منهم ما دام الحال على المتاركة كأنه قيل فهل يحصل نصر عليهم وظفر بهم [بالمعاركة] فأجاب بهذه الصورة بشارة للمؤمنين ونذارة للكافرين.

ولكنه لما لم يكن ذلك بالفعل إلا عام حجّة الوداع يعني بعد فتح مكة بسنتين كان كأنه لم يستقرّ الفتح إلا حينئذ، فلم ينزل سبحانه هذه السورة إلا في ذلك الوقت وقبل منصرفه من غزوة حنين قبل ذلك. فقال تعالى: جاءَ] ولما كانت المقدرات متوجهة من الأزل إلى أوقاتها المعيّنة لها، يسوقها إليها سائق القدرة فتقرب منها شيئا فشيئا كانت كأنها آتية إليها فلذلك حصل التّجوّز بالمجيء عن الحصول فقال] : جاءَ أي استقرّ وثبت في المستقبل لمجيء وقته المضروب له في الأزل، [وزاد في تعظيمه بالإضافة ثم بكونها إلى اسم الذات فقال] : نَصْرُ اللَّهِ أي الملك الأعظم الذي لا مثل له ولا أمر لأحد معه على جميع النّاس في كل أمر تريده، ولما كان النصر درجات وكان قد أشار سبحانه بمطلق الإضافة إليه ثم بكونها إلى الإسم الأعظم إلى أن المراد أعلاها صرّح به فقال: وَالْفَتْحُ أي الذي نزلت سورته بالحديبية مبشّرة بغلبة حزبه الذي أنت قائدهم وهاديهم ومرشدهم [لا سيما] على مكة التي بها بيته ومنها ظهر دينه، وبها كان أصله وفيها مستقرّ عموده وعزّ جنوده، فذلّ بذلك جميع العرب، [وقالوا: لا طاقة لنا بمن أظفره الله بأهل الحرم] ففرّوا بهذا الذّلّ حتى كان ببعضهم هذا الفتح، ويكون بهم كلهم فتح جميع البلاد، وللإشارة إلى الغلبة على جميع الأمم ساقه تعالى في أسلوب الشرط ولتحققها عبّر عنه ب إِذا.

وَرَأَيْتَ النَّاسَ أي العرب كانوا حقيرين عند جميع الأمم فصاروا بك هم الناس وصار سائر أهل الأرض لهم أتباعا. يَدْخُلُونَ شيئا فشيئا محددا دخولهم مستمرا فِي دِينِ اللَّهِ أي شرع من لم تزل كلمته هي العليا في حال الخلق بقهره لهم على الكفر [الذي لا يرضاه لنفسه عاقل ترك الحظوظ] وفي حال طواعيتهم بقسره لهم على الطّاعة وعبّر عنه بالدّين الذي معناه الجزاء لأن العرب كانوا لا يعتقدون القيامة التي لا يتمّ الجزاء إلا بها.

أَفْواجاً أي قبائل وزمرا، زمرا وجماعات كثيفة كالقبيلة بأسرها، أمّة بعد أمة، في خفّة وسرعة ومفاجأة ولين، واحدا واحدا أو نحو ذلك، لأنهم قالوا: أما أذا ظفر بأهل الحرم، وقد كان الله تعالى أجارهم من أصحاب الفيل [الذين لم يقدر أحد على ردّهم] فليس لنا به يدان [فتبيّن من هذا القياس المنتج هذه النتيجة البديهية بقصّة أصحاب الفيل ما رتّبه الله إلا إرهاصا لنبوّته وتأسيسا لدعوته فألقوا بأيديهم وأسلموا قيادهم حاضرهم وباديهم] . ولما كان التقدير:

فقد سبّح الله تعالى نفسه بالحمد بإبعاد نجس الشّرك عن جزيرة العرب بالفعل قال: فَسَبِّحْ أي نزّه أنت بقولك وفعلك [بالصلاة وغيرها] موافقة لمولاك لما فعل تسبيحا ملبّسا بِحَمْدِ