للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أي بكمال رَبِّكَ [الذي أنجز لك الوعد بإكمال الدّين وقمع المعتدين] المحسن إليك بجميع ذلك لأن كلّه لكرامتك وإلا فهو عزيز حميد على كل حال تعجّبا [لتيسر الله على هذا الفتح ما لم يخطر بالبال] وشكرا لما أنعم به سبحانه عليه من أنه أراه تمام ما أرسل لأجله ولأن كل حسنة يعملها أتباعه له مثلها.

«ولما أمره صلى الله عليه وسلم بتنزيهه عن كل نقص ووصفه بكل كمال مضافا إلى الرّبّ، أمره بما يفهم منه العجز عن الوفاء بحقّه لما له من العظمة المشار إليها بذكره مرّتين بالإسام الأعظم الذي له من الدلالة على العظيم والعلوّ إلى محلّ الغيب الذي لا مطمع في دركه مما تتقطّع الأعناق دونه فقال: وَاسْتَغْفِرْهُ أي اطلب غفرانه إنه كان غفّارا، إيذانا بأنه لا يقدر أحد أن يقدّره حقّ قدره لتقتدي بك أمّتك في المواظبة على الأمان الثاني لهم، فإن الأمان الأول الذي هو وجودك بين أظهرهم قد دنا رجوعه إلى معدنه في الرفيق الأعلى والمحلّ الأقدس، وكذا فعل صلى اللَّه عليه وسلم يوم دخل مكة مطأطئا رأسه حتى أنه ليكاد يمسّ واسطة الرّحل تواضعا للَّه تعالى وإعلاما لأصحابه أن ما وقع إنما هو بحول اللَّه تعالى، لا بكثرة من معه من الجمع وإنما جعلهم سببا لطفا منه بهم، ولذلك نبّه من ظنّ منهم أو هجس في خاطره أن للجمع مدخلا فيما وقع من الهزيمة في حنين أولا وما وقع بعد من النّصرة بمن ثبت مع النبي صلى اللَّه عليه وسلم وهم لا يبلغون ثلاثين نفسا. ولما أمر بذلك فأرشد السّياق إلى أن التقدير: وتب إليه، علّله مؤكدا لأجل استبعاد من يستبعد مضمون ذلك من رجوع الناس في الرّدّة ومن غيره بقوله: إِنَّهُ أي المحسن إليك بخلافته لك في أمّتك، ويجوز أن يكون التأكيد دلالة ما تقدم من ذكر الجلالة مرّتين على غاية العظمة والفوت على الإدراك بالاحتجاب بأردية الكبرياء والعزّة والتّجبّر والقهر، مع أن المألوف أن من كان على شيء من ذلك بحيث لا يقبل عذرا ولا يقيل نادما. كانَ أي لم يزل تَوَّاباً أي رجّاعا لمن ذهب به الشيطان من أهل رحمته. فهو الذي رجع بأنصارك عمّا كانوا عليه من الاجتماع على الكفر والاختلاف بالعداوات، فأيّدك بدخولهم في الدّين شيئا فشيئا حتى أسرع بهم بعد سورة الفتح إلى أن دخلت مكة في عشرة آلاف، وهو أيضا يرجع بك إلى الحال التي يزداد بها ظهور رفعتك في الرفيق الأعلى، ويرجع بمن تخلخل من أمّتك في دينه بردّة أو معصية دون ذلك [إلى ما كان عليه من الخير ويسير بهم أحسن سير] .

«فقد رجع آخر السورة إلى أوّلها بأنه لولا تحقق وصفه بالتوبة لما وجد الناصر الذي وجد به الفتح، والتحم مقطعها أيّ التحام بمطلعها، وعلم أن كل جملة منها مسبّبة عما قبلها، فتوبة اللَّه تعالى على عبيدة نتيجة توبة العبد باستغفاره الذي هو طلب المغفرة بشروطه، وذلك ثمرة اعتقاده الكمال في ربه تبارك وتعالى، وذلك ما دلّ عليه إعلاؤه لدينه وفسّره للداخلين فيه