الأحكام التي تجب عليهم فعلا وتركا، ويدلّ على ذلك اقتصاره في المناهي على الانتباذ في الأوعية، مع أن في المناهي ما هو أشد في التحريم من الانتباذ لكن اقتصر منها عليها لكثرة تعاطيهم لهذا.
السادس: قوله: «وأنهاكم عن أربع» جوابا عن الأشربة من إطلاق المحلّ وإرادة الحال، أي ما في الحنتم ونحوه. قال الحافظ: وصرّح بالمراد في رواية النّسائي من طريق قرّة فقال:
«وأنهاكم عن أربع ما ينبذ في الختم» . الحديث.
السابع: سبب وفودهم أن منقذ بن حبّان أحد بني غنم بن وديعة كان متجره إلى يثرب في الجاهلية، فشخص إلى يثرب بملاحف وتمر من هجر بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها. فبينا منقذ قاعد إذ مرّ به النبي صلى الله عليه وسلم، فنهض منقذ إليه
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمنقذ بن حبان كيف جميع هيأتك وقومك؟»
ثم سأله عن أشرافهم رجل رجل، يسمّيهم بأسمائهم. فأسلم منقذ وتعلّم سورة الفاتحة واقرأ باسم ربك، ثم رحل قبل هجر. فكتب النبي صلى الله عليه وسلم معه إلى جماعة عبد القيس كتابا، فذهب به وكتمه أياما، ثم اطّلعت عليه امرأته وهي بنت المنذر بن عائذ- بالذال المعجمة- ابن الحارث، والمنذر هو الأشجّ سمّاه النبي به لأثر كان في وجهه.
وكان منقذ رضي الله تعالى عنه يصلّي ويقرأ، فأنكرت امرأته ذلك، وذكرته لأبيها المنذر، فقالت: «أنكرت بعلي منذ قدم من يثرب، إنه يغسل أطرافه ويستقبل الجهة تعني القبلة، فيحني ظهره مرّة، ويضع جبينه مرّة، ذلك ديدنه منذ قدم» فتلاقيا فتجاريا ذلك. فوقع الإسلام في قلبه.
ثم سار الأشجّ إلى قومه عصر ومحارب بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه عليهم فوقع الإسلام في قلوبهم وأجمعوا على المسير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار الوفد فلما دنوا من المدينة
قال النبي صلى الله عليه وسلم لجلسائه: «أتاكم وفد عبد القيس خير أهل المشرق [وفيهم الأشجّ العصري غير ناكثين ولا مبدلين ولا مرتابين إذ لم يسلم قوم حتى وتروا] » .
الثامن: في بيان غريب ما سبق:.
الأشجّ: بهمزة فشين معجمة مفتوحتين فجيم.
عبد القيس: بقاف مفتوحة فتحتية ساكنة فسين مهملة.
ابن أفصى: بفتح الهمزة وبالفاء والصاد المهملة. ابن دعميّ بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار، وكانوا ينزلون البحرين: الخطّ والقطيف والسّفار والظّهران إلى الرّملة ما بين هجر إلى حد أطراف الدهناء.