جبّار بن فيض من بني الحارث بن كعب أحد بني الحماس، فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه فقال له مثل قول شرحبيل بن وداعة، وعبد الله بن شرحبيل، فأمره الأسقف فجلس ناحية.
فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعا أمر الأسقف بالناقوس فضرب به، ورفعت النيران السرج في الصوامع وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا نهارا فإن فزعوا بالليل ضربوا بالناقوس ورفعوا النيران في الصوامع. فاجتمع حين ضرب بالناقوس ورفعت السّرج أهل الوادي أملاه وأسفله، وطول الوادي مسيرة يوم للراكب السريع، وفيه ثلاث وسبعون قرية، ومائة ألف مقاتل، فقرأ عليهم الأسقف كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن الرأي فيه. فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني، وعبد الله بن شرحبيل الأصبحي، وجبّار بن فيض الحارثي فيأتوهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن إسحاق: وقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران، ستون راكبا، فيهم أربعة عشر رجلا من أشرافهم منهم العاقب وهو عبد المسيح والسّيّد وهو الأيهم، وأبو حارثة بن علقمة أحد بني بكر بن وائل، وأوس، والحارث، وزيد، وقيس، ويزيد، وبنيه وخويلد، وعمرو، وخالد، وعبد الله، ويحنس، منهم ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم: العاقب أمير القوم وذو رأيهم وصاحب مشورتهم والذي لا يصدرون إلا عن رأيه، واسمه عبد المسيح والسّيّد ثمالهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم واسمه الأيهم.
وأبو حارثة بن علقمة أحد بني بكر بن وائل أسقفهم وحبرهم وإمامهم، وصاحب مدراسهم، وكان أبو حارثة قد شرف فيهم ودرس كتبهم حتى حسن علمه في دينهم، فكانت ملوك الروم من أهل النصرانية قد شرّفوه وموّلوه وأخدموه وبنوا له الكنائس وبسطوا عليه الكرامات لما يبلغهم عنه من علمه واجتهاده في دينهم. فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السّفر عنهم ولبسوا حللا لهم يجرّونها من حبرة وتختّموا بالذهب. وفي لفظ:
دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده [في المدينة] حين صلى العصر، عليهم ثياب الحبرات: جبب وأردية في جمال رجال بني الحارث بن كعب.
فقال بعض من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: ما رأينا وفدا مثلهم. وقد حازت صلاتهم. فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلّون نحو المشرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«دعوهم» . ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلّموا عليه فلم يردّ عليهم السلام، وتصدّوا لكلامه نهارا طويلا فلم يكلّمهم وعليهم تلك الحلل والخواتيم الذّهب.
فانطلقوا يتّبعون عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنهما وكانوا