للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنزل الله تعالى إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران ٥٩] أي في كونه خلق من غير أب كمثل آدم خلقه من تراب يابس فجعله بشرا:

لحما ودما ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ مثل عيسى عند الله كمثل آدم أي شأنه الغريب كشأن آدم عليهما السلام. خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ جملة مفسّرة للتمثيل لما له من الشّبه وهو أنه تعالى خلق آدم من تراب بلا أب ولا أمّ فشبّه حاله بما هو أغرب إفحاما للخصم وقطعا لمواد الشبهة، والمعنى خلق قالبه من تراب ثم قال له: كُنْ أي أنشأه بشرا سويا بقوله: كُنْ كقوله تعالى: ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ [المؤمنون ١٤] . ويجوز أن تكون «ثمّ» لتراخي الخبر لا المخبر فيكون حكاية حال ماضية.

الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ [آل عمران ٦٠] خبر محذوف أي الحقّ من الله عز وجل، فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لزيادة الثّبات أو لكل سامع. فلما أصبحوا عادوا فقرأ عليهم الآيات فأبوا أن يقرأوا. وفي ذكر طلبه صلى الله عليه وسلم مباهلة أهل نجران بأمر الله تعالى وامتناعهم من ذلك قال الله سبحانه وتعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [آل عمران ٦١] أي جادلك من النصارى في عيسى من بعد ما جاءك من البيّنات الموجبة للعلم. فَقُلْ تَعالَوْا [آل عمران ٦١] هلمّوا بالرّأي والعزم نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ [آل عمران ٦١] أي يدع كلّ منا ومنكم نفسه وعزّة أهله وألصقهم بقلبه أي المباهلة، وإنما قدّم على النّفس لأن الرجل يخاطر بنفسه لهم ويحارب دونهم، ثم نتباهل أي يلعن الكاذب منّا، والبهلة بالضّمّ [والفتح] اللّعنة وأصله التّرك من قولهم بهلت الناقة إذا تركتها بلا صرار. ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ [آل عمران ٦١] عطف فيه بيان.

إِنَّ هذا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ [آل عمران ٦٢] أي ما ذكره من شأن عيسى حقّ دون ما ذكروه وما بعده خبر، واللام لأنه أقرب إلى المبتدأ من الخبر وأصلها أن تدخل على المبتدأ. وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ [آل عمران ٦٢] صرّح فيه «بمن» المزيدة للاستقراء تأكيدا للرّدّ على النصارى في تثنيتهم. وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لا أحد يساويه في القدرة الثابتة والحكمة البالغة ليشاركه في الألوهية. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ [آل عمران ٦٣] وعيد لهم وضع لهم موضع التميز ليدل على أن التّولّي عن الحجج والإعراض عن التوحيد إفساد للدّين والاعتقاد المؤدّي إلى فساد العلم.

وروى الحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل عن جابر، وأبو نعيم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه، والبيهقيّ عن سلمة بن عبد يسوع عن أبيه عن جدّه والشيخ،