للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو متكئ على حصير قد أثر في جنبه، فقال: يا رسول الله لو اتخذت فراشا أدثر من هذا، فقال: «ما لي وللدنيا، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب استظل في يوم صائف، فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار، ثم راح وتركها» [ (١) ] .

وروى البزار عن زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه قال: كنا مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه إذا استسقى، فأتي بماء وعسل، فلما وضعه على يديه بكى وانتحب، حتى ظننا أن به شيئا، ولا نسأله عن شيء، فلما فرغ قلنا: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما حملك على هذا البكاء؟

قال: بينما أنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم رأيته يدفع عن نفسه شيئا ولا أرى شيئا، فقلت: يا رسول [الله] ما الذي أراك تدفع عن نفسك، ولا أرى شيئا؟ قال: «الدنيا تطلعت لي،» فقلت:

إليك عني، فقال لي: «أما إنك لست بمدركي،» قال أبو بكر: فشق عليّ، وخشيت أن أكون قد خالفت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولحقتني الدنيا [ (٢) ] .

وروى الحسن بن عرفة [ (٣) ] في جزئه المشهور، وابن عساكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: دخلت علي امرأة من الأنصار فرأت على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة خشنة، فانطلقت، فبعثت إلي بفراش حشوه الصوف، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذا يا عائشة؟» فقلت: يا رسول الله فلانة الأنصارية دخلت، فرأت فراشك، فذهبت، فبعثت إليّ بهذا الفراش، فقال: «ردّيه،» قالت: فلم أردّه، وقد أعجبني أن يكون في بيتي، حتى قال ذلك مرات، فقال: «ردّيه يا عائشة، فو الله لو شئت لأجرى الله معي الجبال ذهبا وفضة» [ (٤) ] .

وروى الإمام أحمد في الزهد عن إسماعيل بن أميّة قال: صنعت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فراشين، فأبى أن يضطجع على واحد.

وروى ابن مردويه عن ابن مسعود، وابن مردويه والدّماميني عن أبي الدرداء، وأبيّ ذر، وسعيد بن منصور، وابن المنذر عن أبي مسلم الخولاني، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما أوحى الله إلى أن أجمع المال، وأكون من التاجرين، ولكن أوحي إلي أن» فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [ (٥) ] .


[ (١) ] تقدم.
[ (٢) ] انظر مجمع الزوائد ١٠/ ٢٥٤ والمنذري في الترغيب ٤/ ٢٠٧ والمتقي الهندي في الكنز (١٨٥٩٧) .
[ (٣) ] الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي، أبو علي البغدادي، صدوق، من العاشرة، مات سنة سبع وخمسين ومائتين، وقد جاوز المائة. التقريب ١/ ١٦٨.
[ (٤) ] أخرجه البيهقي في الدلائل ١/ ٣٤٥ والخطيب في التاريخ ١١/ ١٠٢ وانظر فتح الباري ١١/ ٢٩٢ والترغيب والترهيب ٤/ ٢٠٢ والبداية ٦/ ٦٢.
[ (٥) ] أحمد في الزهد (٣٩١) وأبو نعيم في الحلية ٢/ ٢٣١ والبغوي في التفسير ٤/ ٧٨ وابن عدي ٥/ ١٨٩٧، ٣/ ٩٣٩ والسيوطي في الدر المنثور ٤/ ١٠٩.