والظاهر أن إيراده له في القسم الرابع إنما هو لكونه لم يدرك البعثة، فكيف يعدّ من الصحابة كسيف بن ذي يزن فإنه مات بعد المولد بنحو ثلاث سنين، فإنه وإن أقرّ ببعثة النبي صلى الله عليه وسلم فلا يسمى صحابياً، لأنه لم يره بعد البعثة، بل لم يره أصلاً.
وقال في ترجمة أبي طالب في الكنى، بعد أن أورد قصة الامتحان يوم القيامة: ونحن نرجو أن يدخل عبد المطلب وآل بيته في جملة من يدخلها طائعاً فينجو. إلى آخره.
وتقدم لهذا مزيد بيان في ترجمة ابنة عبد الله.
ابن هاشم هاشم: اسم فاعل من الهشم وهو كسر الشيء اليابس والأجوف. واسمه عمرو العلا، وهو منقول إما من العمر بفتح العين الذي هو من العمر بضمها أي البقاء، ذكره أبو الفتح ابن جنيّ رحمه الله تعالى في المبهج وأنشد لأبي القماقم:
يا ربّ زد من عمره في عمري ... واستوف منّي يا إلهي نذري
ويحكى أن عيسى بن عمر سأل عمرو بن عبيد فقال: لم سميت عمراً؟ فقال له: العمر البقاء أطال الله عَمرك وعُمرك. قال ابن دحية رحمه الله تعالى: إن استعمل العمر في القسم فالفتح لا غير. قال تعالى: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ.
أو من غيره مما هو مذكور في الروض والزّهر وغيرهما.
ولقّب هاشماً لأنه أول من هشم الثريد لقومه بمكة وأطعمه، وذلك أن أهل مكة أصابهم جهد وشدة فرحل إلى فلسطين فاشترى منها دقيقاً كثيراً وكعكاً وقدم بذلك إلى مكة فأمر به فخبز ثم نحر جزوراً وجعلها ثريداً عمّ به أهل مكة، ولا زال يفعل ذلك حتى استكفوا.
وهو أول من سنّ الرحلتين، رحلة الشتاء إلى الحبشة ورحلة الصيف إلى الشام.
قال الرشاطي: كانت قريش تجارتهم لا تعدو مكة، وكانت الأعاجم تقدم عليهم بالسلع فيشترون منهم، حتى ركب هاشم إلى الشام فنزل بقيصر وكان كل يوم يذبح شاة فيصنع جفنة ثريد ويدعو من حوله فيأكلون فذكر ذلك لقيصر أن هاهنا رجلاً من قريش يهشم الخبز ثم يصب عليه المرق ويفرغ عليه اللحم، وإنما كانت العجم تضع المرق في الصحاف ثم تأتدم عليه بالخبز، فدعا به قيصر وكلّمه فأعجبه كلامه وأعجب به وجعل يرسل إليه ويدخل عليه، فلما رأى مكانه منه قال: أيها الملك إنّ لي قوماً وهم تجار العرب فإن رأيت أن تكتب لي كتابا تؤمّنهم وتؤمن تجارتهم فيقدموا عليك بما يستظرف من أدم الحجاز وثيابه فيمكّنوا من بيعه عندكم فهو أرخص عليكم. فكتب له كتاب أمان لمن أتى منهم فأقبل هاشم بالكتاب فجعل كلما مرّ بحيّ من العرب على طريق الشام أخذ لهم من أشرافهم إيلافاً، والإيلاف أن يأمنوا