للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عندهم وفي طريقهم وأرضهم بغير حلف، إنما هو أمان الطريق، فأخذ هاشم الإيلاف فيمن بينه وبين الشام حتى قدم مكة فأعطاهم الكتاب، فكان ذلك أعظم بركة. ثم خرجوا بتجارة عظيمة وخرج هاشم معهم يجوزهم ويوفيهم إيلافهم الذي أخذ لهم من العرب، فلم يبرح يجمع بينهم وبين العرب حتى ورد الشام. ومات في تلك السفرة بغزة. فهذا سبب تسميته بهاشم.

كذا قاله الرشاطي رحمه الله تعالى. وما ذكرناه في سبب تسميته هاشماً هو المشهور.

ولا مانع أن يكون سمّي ببلاد مكة هاشماً لما تقدم، وببلاد قيصر كذلك. والله تعالى أعلم.

وخرج أخوه عبد شمس إلى النجاشي بالحبشة وأخذ لهم كذلك. وخرج أخوهما نوفل إلى الأكاسرة بالعراق وأخذ لهم كذلك. وخرج المطلب إلى حمير باليمن وأخذ لهم كذلك.

فكان يقال لهاشم ولعبد شمس وللمطلب ولنوفل، أولاد عبد مناف: المجيزون فسادوا كلهم، فقال فيهم عبد الله بن الزّبعري رضي الله تعالى عنه، ويقال بل أبوه قائل ذلك. قال البلاذري:

والأول أثبت:

يا أيّها الرجل المحوّل رحله ... هلا نزلت بآل عبد مناف

الآخذون العهد من آفاقها ... والرّاحلون لرحلة الإيلاف

والرّائشون وليس يوجد رائشٌ ... والقائلون هلمّ للأضياف

والخالطون غنيّهم بفقيرهم ... حتّى يكون فقيرهم كالكافي

عمرو العلا هشم الثريد لقومه ... سفر الشّتاء ورحلة الإيلاف

[ (١) ] وروى الزبير بن بكار في الموفقيات، عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى قال:

كانت قريش في الجاهلية تحتفد، وكان احتفادها أن أهل البيت منهم كانوا إذا سافت- يعني هلكت- أموالهم خرجوا إلى برازٍ من الأرض فضربوا على أنفسهم الأخبية ثم تناوبوا فيها حتى يموتوا خوفاً من أن يعلم بخلّتهم. حتى نشأ هاشم بن عبد مناف فلما ربل وعظم قدره في قومه قال: يا معشر قريش إن العزّ مع كثرة العدد، وقد أصبحتم أكثر العرب أموالاً وأعزّهم نفرا، وإن هذا الاحتفاد قد أتى على كثير منكم، وقد رأيت رأياً. قالوا: رأيك رشيد، فمرنا نأتمر. قال رأيت أن أخلط فقراءكم بأغنيائكم فأعمد إلى رجل غني فأضم إليه فقيراً عدده بعدد عياله فيكون يؤازره في الرحلتين رحلة الشتاء ورحلة الصيف، رحلة الصيف إلى الشام ورحلة الشتاء إلى اليمن، فما كان في مال الغني من فضل عاش الفقير وعياله في ظله، وكان ذلك قطعاً


[ (١) ] روي في الروض الأنف هذان البيتان:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ... قوم بمكة منتهين عجاف
سننت إليه الرحلتان كلاهما ... سفر الشّتاء ورحلة الإيلاف
الروض الأنف ١/ ١٥٧. وفي البداية والنهاية الأصياف بدل الإيلاف، انظر البداية والنهاية ٢/ ٢٥٣.