الدولة الصفوية ببلاد فارس، وقد أنشأها الشاه إسماعيل ابن الشيخ صفي الدين العلوي الحسني سنة ٩٠٦ هـ ١٥٠٠ م، واتخذ مدينة تبريز قاعدة له، وقد اتسعت بعد هذا حتى شملت جميع بلاد فارس والعراق العربي وديار بكر، وامتدت من الخليج الفارسي إلى بحر الخزر، وكانت العلاقة سيئة بينها وبين الدولة العثمانية التركية طول هذا القرن، ومن أهم أسباب هذا العداء أن الدولة الصفوية كانت شيعية، والدولة العثمانية التركية كانت سنية.
والثانية: الدولة المغولية ببلاد الهند، وقد أنشأها بابرشاه من نسل تيمور لنك سنة ٩١١ هـ ١٥٠٥ م، وكانت وفاته سنة ٩٣٧ هـ ١٥٣٠ م، فخلفه ابنه همايون، وقد استمر حكمه إلى سنة ٩٦٤ هـ ١٥٥٦ م، فخلفه ابنه أكبر خان إلى سنة ١٠١٤ هـ ١٦٠٥ م، وكان لأكبرخان أفكار جريئة في التجديد خرج في بعضها عن دائرة التجديد الإسلامي، وسنذكرها في موضعها من هذا القرن.
أما المغرب فقد ظهر ضعفه في هذا القرن، وكادت بلاده تسقط في يد الأسبانيين والبرتغاليين، وقد ذهبت فيه دولة بني حفص ودولة بني زيان باستيلاء الدولة العثمانية التركية على تونس والجزائر، وسقطت فيه بمراكش دولة بني وطاس سنة ٩٥٦ هـ ١٥٤٩ م، وقامت دولة السعديين الحسنية العلوية مكانها، ولكنها لم تكن من القوة بحيث يمكنها دفع عدوان أوروبا على المسلمين من هذه الناحية، وقد خرج على سلطانها بعض أهلها، واستعانوا عليه بالبرتغاليين، فلم يقو وحده على حربهم، واستنجد بالدولة العثمانية التركية، فأمرت واليها بطرابلس أن يرسل إليه مددا من جنوده، فأرسل إليه مددا منها، وكان هذا سنة ٩٨٦ هـ ١٥٧٨ م، فتمكن بهذا المدد من الانتصار على الثائرين ومن ساعدهم من البرتغاليين. وقد رجع هذا المدد إلى طرابلس بعد انتصاره عليهم، وترك مراكش وحدها تعاني ما تعاني من طمع أوروبا فيها.
وبهذا يمكننا أن نحكم بأن المسلمين في هذا القرن كانوا على شيءٍ من القوة، إذ كانت الدولة العثمانية التركية فيه لا تزال مرهوبة الجانب عند أمم أوروبا، ولكن الحالة العلمية بين المسلمين في هذا القرن لم تكن مضاهية لقوتهم، فقد فشا الجهل فيهم إلى الحد الذي سيأتي في شكاية بعضهم، وكانوا في القرون السابقة يعادون العلوم الفلسفية وحدها، فأضافوا إليها في هذا القرن معاداة العلوم الأدبية، لأن العامية أخذت تطغى عليهم بعد استيلاء الدولة العثمانية التركية على معظم البلاد العربية، وجعلها اللغة التركية هي اللغة الديوانية، وممن شكا من معاداة العلوم الأدبية في هذا القرن صاحب كتاب- العقد المنظوم في ذكر أفاضل الروم- وكان معاصرا للسلطان سليمان القانوني، فقال مشيرا إلى موضوع كتابه في التاريخ: ولعمري إن ذلك