للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لمّا استهلّ المصطفى طالعاً ... أضاء الفضا من نوره السّاطع

وعطّر الكون شذا عطره الطّ ... يّب من دانٍ ومن شاسع

ونادت الأكوان من فرحة ... يا مرحباً بالقمر الطالع

وروى ابن سعد عن موسى بن عبيدة [ (١) ] رحمه الله تعالى عن أخيه قال: لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقع على الأرض وقع على يديه رافعاً رأسه إلى السماء وقبض قبضة من تراب، فبلغ ذلك رجلاً من لهب فقال لصاحبه: انجه لئن صدق الفأل ليغلبنّ هذا المولود أهل الأرض.

وروى ابن سعد وأبو نعيم بسند قوي عن حسان بن عطية- رحمه الله تعالى: - ورضي عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ولد وقع على كفيه وركبتيه شاخصاً ببصره إلى السماء. زاد السّهيلي: مقبوضة أصابع يده مشيراً بالسبّابة كالمسبّح بها.

قال الشيخ الإمام العلامة شمس الدين الجوجريّ [ (٢) ] رحمه الله تعالى: وفي رفع بصره صلى الله عليه وسلم في تلك الحال إشارة وإيماء إلى ارتفاع شأنه وعلوّ قدره وأنه يسود الخلق أجمعين، وكان هذا من آياته صلى الله عليه وسلم، وهو أنه أول فعل وجد منه في أوّل ولادته، وفيه إشارة وإيماء لمن له تأمّل إلى إن جميع ما يقع له من حين يولد إلى حين يقبض صلى الله عليه وسلّم ما يدل عليه العقل فإنه صلى الله عليه وسلم لا يزال متزايد الرفعة في كل وقت وحين، عليّ الشأن على المخلوقات. وفي رفعه صلى الله عليه وسلم رأسه إشارة وإيماء إلى كل سؤدد وأنه لا يتوجه قصده إلاّ إلى جهات العلوّ دون غيرها مما لا يناسب قصده.

وروى ابن الجوزي في «الوفا» عن أبي الحسين بن البراء- مرسلاً- رحمه الله تعالى قال: قالت آمنة وجدته جاثياً على ركبتيه ينظر إلى السماء، ثم قبض قبضةً من الأرض وأهوى ساجداً.

قال بعض أهل الإشارات: لما ولد عيسى صلى الله عليه وسلم قال: إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا فأخبر عن نفسه بالعبودية والرسالة، ونبينا صلّى الله عليه وسلم وضع ساجداً وخرج معه نور أضاء له ما بين المشرق والمغرب، وقبض قبضة من تراب ورفع رأسه إلى السماء فكانت عبودية عيسى المقال، وعبودية محمد صلى الله عليه وسلم الفعال، ورسالة عيسى بالإخبار، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم بظهور الأنوار.


[ (١) ] موسى بن عبيدة بن نشيط العدوي مولاهم أبو محمد الرّبذي بفتح المهملة والموحدة المدني. عن محمد بن كعب ونافع وجماعة. وعنه شعبة وابن المبارك وطائفة. ضعفه ابن المديني والنسائي وابن عدي وجماعة. قال ابن سعد: ثقة كثير الحديث وليس بحجة. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة بالربذة. الخلاصة ٣/ ٦٨.
[ (٢) ] محمد بن عبد المنعم بن محمد الجوجري: فاضل مصري، من فقهاء الشافعية. ولد بجوجر (قرب دمياط) وتحوّل إلى القاهرة صغيرا، فتعلم، وناب في القضاء، ثم تعفف عن ذلك. ومات بمصر. من كتبه «شرح الإرشاد» لابن المقري، و «شرح شذور الذهب» و «شرح همزية البوصيري» . وتوفي سنة ٨٨٩ هـ. الأعلام ٦/ ٢٥١، والضوء اللامع ٨/ ١٢٣.