[القصص: ٧] فجمع في آية واحدة بين أمرين، ونهيين، وخبرين وبشارتين، والآثار في هذا النوع كثيرة.
وقال القاضي- رحمه الله تعالى-: وحقا، إن العرب قد خصّوا من البلاغة والحكم بما لم يخصّ به غيرهم من الأمم وأتوا من ذرابة اللسان ما لم يؤت إنسان، ومن فصل الخطاب ما يقيد الألباب عن أن تلهج بتراكيب صناعتهم وتبهيج أساليب صياغتهم أفانين الكلام، فجعل الله- تعالى- ذلك لهم طبعا وخلقة وفيهم غريزة وقوة يأتون منه على البديهة بالعجب، ويدلون به إلى كلّ سبب، فيخطبون بديهة في المقامات شديد الخطب، ويرتجزون به بين الطّعن والضّرب، ويمدحون ويقدحون، ويتوسّلون به إلى ما يرومونه من نجاح مآربهم، ويتوصّلون به إلى الفوز بمطالبهم، ويرفعون ويضعون من أرادوا، فيأتون من ذلك بالسّحر الحلال الّذي انسجم لفظه، ولطف معناه في مواسمهم ومقاصدهم، ويطوّقون من أوصافهم الحميدة وسماتهم الحميدة ما رأوه أهلا من أوصافهم أجمل سمط اللآل، فيخدعون الألباب، ويذلّلون الصّعاب، ويذهبون الأحن، ويهجون الرتن ويجرّئون الجبان، ويبسطون الجعد البنان، ويصيرون الناقص كاملا، ويتركون النّبيه خاملا، منهم البدويّ ذو اللّفظ الجزل، والقول الفصل والكلام الفخم، والطبع الجوهريّ والمنزع القويّ، ومنهم الحضري، ذو البلاغة البارعة، والألفاظ التابعة، والكلمات الجامعة، والطبع السهل، والتصرف في القول، القليل الكلفة، الكثير الرونق، الرقيق الحاشية، وكلا البابين لهما في البلاغة الحجّة البالغة، والقوة الدامغة، والقدح الفالج، والمهيع الناهج، لا يشكون أن الكلام طوع مرادهم، والبلاغة ملك قيادهم، يتصرفون في معاني أفانين الكلام، فيقلدون بجوز الأذهان روائع طرائفه، ويسترقون الأسماع ببدائع عوارفه، وقد حووا فنونها، واستنبطوا عيونها، ودخلوا من كل باب من أبوابها، وعلوا صرحا لبلوغ أسبابها فقالوا في الخطير والمهين، وتفننوا في الغث والسمين وتفاولوا في القلّ والكثير وتساجلوا في النظم والنثر، فما راعهم إلا رسول كريم منهم، بكتاب عزيز بلسانهم، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، أحكمت آياته وفصّلت كلماته، وبهرت بلاغته العقول، وظهرت فصاحته على كلّ مقول، وتظاهر إيجازه، وإعجازه، وتظاهرت حقيقته ومجازه، وتبارت في الحسن مطالعه، ومقاطعه، وحوت كلّ البيان جوامعه، وبدائعه واعتدل مع إيجازه، حسن نظمه، وانطبق على كثرة فوائده، مختار لفظه أزلا لله تعالى، فارقا لعلومهم الأربعة، من الفصاحة والإيجاز والبلاغة الخارجة عن نوع كلامهم، ومن النّظم الغريب، والأسلوب العجيب، الذي لم يهتدوا في المنظوم إلى طريقته، ولا علموا في أساليب الكلام والأوزان مثلا، ومن الإخبار عن الكوائن والحوادث والأسرار والمجنات والضمائر، فيوجد على ما كانت عليه ويعترف المخبر عنها نصحه ذلك وصدقه، وإن كان أعدى العدو