للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا أبطل الكهانة الذي تصدق مرة وتكذب عشرا، ثم ليجتثّها من أصلها برجم الشّهب ورسل النجوم، وجاء من القرآن من الأخبار عن القرون السّالفة، عن الأنبياء والأمم البائدة من الحوادث الماضية ما ينجز من تفرّغ لهذا العلم عن بعضه، وهم أفسح ما كانوا في هذا الباب مجالا، وأشهر في الخطابة رجالا، وأكثر في السجع والشعر سجالا، وأوسع في اللّغة والغريب مقالا، بلغتهم التي بها يتحاورون، ومنازعهم التي عنها يناضلون صارخين بها في كل حين ومقرعا لهم بضعا وعشرين عاما على رءوس أشرافهم ورؤسائهم أجمعين، فتحدّاهم أوّلا بكلّ القرآن، ثم تحدّاهم بعشر سور، فقال تعالى: أَمْ يَقُولُونَ: افْتَراهُ [يونس: ٣٨] أي بل يقولون اختلقه، والهمزة إشارة لقولهم، أو تقرير لإلزام الحجّة عليهم، وهما متقاربان، لأنّ مآلهما واحد وهو إبطال قولهم وتثبيت التقرير بما يؤذن به قل على سبيل التهكّم عليهم، والتقريع لهم، والمناداة على كمال عجزهم، وإلزام الحجّة عليهم، إن كان الأمر كما زعمتم على وجه الافتراء بعشر سور مثله في البيان وحسن النظم مفتريات مختلفات من عند أنفسكم، «وادعوا من استطعتم من دون الله» أي استعينوا بغير الله ممّن يمكن استعانتكم به على الإتيان بذلك، لأنّه تعالى هو القادر عليه وحده «إن كنتم صادقين» في أنّه افتراه، فعجزوا عن ذلك فتحدّاهم بسورة واحدة منها، كما قرّ عليهم، فقال الله- عزّ وجلّ-: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا [البقرة/ ٢٣] أي مماثلة للقرآن في البلاغة وحسن النّظم وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ [البقرة/ ٢٣] أي استظهروا لمعارضته من حضركم، أو ارجوا معونة غير الله تعالى، فإنّه هو القادر عليه إن كنتم صادقين في أنّنا لم ننزله عليه، فلمّا عجزوا عن معارضته والإتيان بسورة تشهد عليهم بإظهار العجز وإعجاز القرآن، وكانوا أحرص شيء على إخفاء نوره، فلو كان في مقدرتهم معارضته، لعدلوا إليها قطعا للحجّة، فلم يزل صلى الله عليه وسلم يقرعهم أشد التقريع، ويوبّخهم غاية التوبيخ، ويسفه أحلامهم، ويحطّ أعلامهم، ويشتت نظامهم، ويذم آلهتهم، ويستبيح أرضهم، وديارهم، وأموالهم، وهم في كلّ هذا ناكصون عن معارضته، محجمون عن مماثلته يخادعون أنفسهم بالتشغيب، والتكذيب، والإغراء بالافتراء، كقولهم إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ [المدثر/ ٢٤] وسِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر/ ٢] وإِفْكٌ افْتَراهُ [الفرقان/ ٤] وأساطير الأوّلين والمباهتة، والرضا بالدنية كقولهم قُلُوبُنا غُلْفٌ [البقرة/ ٨٨] فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ [فصلت/ ٥] ، لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه بخرافات وسواقط الكلم رافعين أصواتهم بها، تشويشا على قارئه، والادّعاء مع العجز بقولهم: لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا [الأنفال/ ٣١] وقاحة وفرحا وعنادا وإلا فما منعكم لو ساعدتهم الاستطاعة إن شاءوا ذلك أن تحدّاهم وقرعهم بالعجز ليفوزوا للغلبة فرحا بأنفسهم واستنكافهم أن يغلبوا فيها في باب البيان وقد قال تعالى وَلَنْ تَفْعَلُوا [البقرة/ ٢٤] فما فعلوا،