سفينة غصبا» أي سفينة صالحة وغير ذلك مما استدل عليه من وجوه الإعجاز، وبلاغته الخارقة لعادة العرب في عجائب تراكيبهم ومنها صورة نظمة العجيب، والأسلوب الغريب المخالف لأساليب كلام العرب، ومنهاج نظمها ونثرها، الذي جاء عليه ووقفت عليه مقاطع آياته، وانتهت إليه فواصل كلماته، ولم يوجد قبله ولا بعده نظير له، ومنها: ما انطوى عليه من الإخبار بالمغّيبات، وما لم يكن موجوداً فوجد كما ورد.
ومنها إنباؤه عن أخبار القرون الماضية والأمم البائدة والشرائع السالفة ما كان لا يعلم منه القصّة الواحدة إلا الفذّ من إخبار أهل الكتاب الذي قطع عمره في تعلّم ذلك، فيورده سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على وجهه، ويأتي به على نصّه، وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب.
ومنها: ما تضمّنه عن الأخبار بالضمائر كقوله تعالى إِذْ هَمَّتْ طائِفَتانِ مِنْكُمْ [آل عمران/ ١٢٢] وقوله: يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِما نَقُولُ [المجادلة: ٨] .
ومنها آي وردت بتعجيز قوم في قضايا وإعلامهم أنّهم لا يفعلونها، فما فعلوا، ولا قدروا على ذلك كقوله في اليهود: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً [البقرة/ ٩٥] .
ومنها ترك المعارضة مع توفّر الدواعي وشدة الحاجة.
ومنها: الرّوعة التي تلحق قلوب سامعيه عند سماعهم والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته، كما وقع لجبير بن مطعم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب والطور، فلما بلغ هذه الآية أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ إلى قوله الْمُصَيْطِرُونَ [الطور/ ٣٥- ٣٧] كاد قلبي [....] أن يطير، قال: وذلك أوّل ما وقر الإسلام في قلبي، وقد سمع غير واحد آيات منه، فمات لوقته، وألّف بعضهم كتابا فيمن قتله القرآن.
ومنها: أن قارئه لا يملّه، وسامعه لا يمجّه، بل الإكباب على تلاوته، يزيده حلاوة، وترديده يوجب له محبّة وغيره من الكلام يعادى إذا أعيد، ويملّ مع الترديد، ولهذا وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن بأنّه لا يخلق على كثرة «الترداد» .
ومنها: كونه آية باقية لا يعدم ما بقيت الدنيا مع تكفّل الله عز وجل بحفظه، ومنها جمعه لعلوم ومعارف لم يجمعها كتاب من الكتب، ولا أحاط بعلمها أحد، في كلمات قليلة، وأحرف معدودة.
ومنها جمعه بين صفتي الجزالة والعذوبة، وهما كالمتضادين لا يجتمعان في كلام البشر غالبا.
ومنها جعله آخر الكتب غنيّا عن غيره، وجعل غيره من الكتب قد يحتاج إليه كما قال