وأبيض الدّرع من شؤم راحته ... من بعد إرساله رسل منه منهل
برئت من دين قوم لا قوام له ... عقولهم من وقاف الفيّ في عقل
يستخبرون فتى الغيب من حجر ... صلد ويرجون غوث النّصر من هبل
الأولى: اختلف في قدر المعجزة من القرآن فذهبت بعض المعتزلة إلى أنّه يتعلق بجميع القرآن، والآيتان السابقتان تردّه.
وقال القاضي أبو بكر: يتعلق الإعجاز بسورة طويلة كانت أو قصيرة، تشبثا بظاهر قوله:
«بسورة» .
وقال في موضع آخر: يتعلّق بسورة أو قدرها من الكلام، بحيث يتبين فيه تفاضل قوى البلاغة.
قال: فإذا كانت آية بقدر حرف سورة، وإن كانت سورة كسورة الكوثر، فذلك معجز قال: ولم يقم دليل على عجزهم عن المعارضة في أقل من هذا القدر.
قال قوم: لا يحصل الإعجاز بآية بل يشترط الآيات الكثيرة.
وقال آخرون: يتعلق بقليل القرآن وكثيره لقوله تعالى فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ [الطور/ ٣٤] قال القاضي أبو بكر: ولا دلالة في الآية، لأنّ الحديث التامّ لا يتحصل حكايته في أقل من كلمات سورة قصيرة.
الثانية: اختلف في أنّه هل يعلم إعجاز القرآن ضرورة.
قال القاضي: فذهب الشيخ أبو الحسن الأشعريّ إلى أنّ ظهور ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ضرورة وكونه معجزا يعلم بالاستدلال، قال: والذي تقوله: أن الأعجميّ لا يمكنه أن يعلم إعجازه إلا استدلالا، وكذلك من ليس ببليغ، فأمّا البليغ الذي قد أحاط بمذاهب العرب، وغرائب الصّنعة، فإنه يعلم من نفسه ضرورة عجزه وعجز غيره عن الإتيان بمثله.
الثالثة: اختلف في تفاوت القرآن في مراتب الفصاحة، بعد اتفاقهم على أنّه في أعلى مراتب البلاغة بحيث لا يوجد في التراكيب ما هو أشدّ تناسبا ولا اعتدالا في إفادة ذلك المعنى منه، فاختار القاضي المنع، وأن كلّ كلمة فيه موصوفة بالذّروة العليا، وإن كان بعض النّاس أحسن إحساسا له من بعض، واختار أبو النصر القشيري وغيره التّفاوت، فقال: لا ندّعي أن كل ما في القرآن على أرفع الدّرجات في الفصاحة وكذا قال غيره: في القرآن الأفصح والفصيح، وإلى هذا نحا الشيخ عز الدين بن عبد السلام، ثم أورد سؤالا، وهو إنه لم يأت القرآن جميعه