ثم ذكر الحافظ مغلطاي حديث الرضاع ثم قال: فإن قيل: ما وجه الاستدلال من هذين الحديثين؟ قلنا: من وجوه: الأول: دفع شبهة من زعم أن القادمة في حنين أخته صلى الله عليه وسلم لأنه يستبعد أن تكون عمّرت إلى ذلك الحين تخرّصاً من غير يقين، لأن رواية هذين الصحابيين عنها مشافهةً مع صغرهما يقرّب ذلك الاستبعاد.
قلت: قال الحافظ بعد أن أورد عدة آثار في مجيء أمه صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إليه ثم قال:
ففي تعدد الطرق ما يقتضي أن لها أصلاً أصيلاً، وفي اتفاق الطرق على أنها أمّه ردّ على من زعم أن التي قدمت عليه أخته، وزاعم ذلك هو الحافظ الدمياطي رحمه الله تعالى والله تعالى أعلم.
وقد ذكرها في الصحابة جماعة. قال أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة في تاريخه: ذكر ما انتهى إلينا من سند النساء اللاتي رويّن عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: باب الحاء: حليمة بنت أبي ذؤيب وقال الحافظ أبو محمد المنذريّ في مختصر سنن أبي داود: حليمة أمه صلى الله عليه وسلم أسلمت وجاءت إليه وروت عنه عليه الصلاة والسلام.
قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله تعالى في الحدائق: قدمت حليمة ابنة الحارث على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما تزوج خديجة فشكت إليه جدب البلاد فكلّم خديجة فأعطتها أربعين شاة وبعيراً، ثم قدمت عليه بعد النبوة فأسلمت وبايعت وأسلم زوجها الحارث.
وقال القاضي أبو الفضل عياض رحمه الله تعالى: لما وردت حليمة السعدية على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه وقضى حاجتها فلما توفي قدمت على أبي بكر فصنع لها مثل ذلك.
قلت: هذا كلام القاضي في الشفاء وروى ابن سعد عن عمر بن سعد مرسلاً قال:
جاءت ظئر النبي صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه وقضى حاجتها ثم جاءت أبا بكر ففعل ذلك، ثم جاءت عمر ففعل ذلك والله تعالى أعلم.
الوجه الثاني: أن لفظ الأمّ لا ينطلق عرفاً ولغة إلاّ على الأم الحقيقية، ولم نر من يسمي الأخت أمّا، على أنه قد جاء ما يدفع هذا لو قيل به.
وروى أبو داود بسند صحيح عن عمرو بن السائب رحمه الله تعالى إنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالساً يوماً فأقبل أبوه من الرضاعة فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه، ثم أقبلت أمّه فوضع لها شقّ ثوبه من جانبه الآخر فجلست إليه، ثم أقبل أخوه من الرضاعة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجلسه بين يديه.
وذكر أبو عمر عن زيد بن أسلم رحمه الله تعالى عن عطاء بن يسار قال: جاءت حليمة