فشرب وشربت حتى انتهينا، وبتنا بخير ليلة. فقال صاحبي: تعلّمي يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمةً مباركة ألم ترى إلى ما بتنا فيه الليلة من الخير والبركة حين أخذناه؟ قلت:
والله إني لأرجو ذلك.
وفي حديث إسحاق بن يحيى عند ابن سعد أن اليهود مرّوا على حليمة فقالت: ألا تحدّثوني عن ابني هذا فإني حملته كذا ووضعته كذا ورأيت كذا كما وصفت أمّه. فقال بعضهم لبعض: اقتلوه فقالوا أيتيم هو؟ قالت: لا هذا أبوه وأنا أمه فقالوا: لو كان يتيماً قتلناه.
قالت: ثم رجعنا وركبت أتاني وحملته عليها معي، فو الله لقد قطعت أتاني بالرّكب حتى ما يتعلق بها حمار، حتى إن صواحبي ليقلن لي يا بنت أبي ذؤيب ويحك! أربعي علينا أهذه أتانك التي خرجت عليها معنا؟ فأقول نعم والله إنها لهي فيقلن: والله إنّ لها لشأناً.
وفي حديث الزّهري أن حليمة نزلت به صلى الله عليه وسلم سوق عكاظ فرآه كاهنٌ من الكهان فقال:
يا أهل سوق عكاظ: اقتلوا هذا الغلام فإن له ملكاً. فزاغت به حليمة فأنجاه الله تعالى منهم.
ثم قدمنا أرض بني سعد، وما أعلم أرضاً من أرض الله تعالى أجدب منها، فكانت غنمي تسرح ثم تروح شباعاً لبّنا فنحلب ونشرب وما يحلب إنسانٌ قطرة لبن ولا يجدها في ضرع، إن كان الحاضر من قومنا ليقولون لرعاتهم: ويحكم انظروا حيث تسرح غنم حليمة فاسرحوا معهم. فيسرحون مع غنمي حيث تسرح فتروح أغنامهم جياعاً ما فيها قطرة لبن وتروح غنمي شباعاً لبّناً.
قالت: ولما دخلت به إلى منزلي لم يبق منزل من منازل بني سعد إلا شممنا منه ريح المسك وألقيت محبته صلى الله عليه وسلم في قلوب الناس حتى إنّ أحدهم كان إذا نزل به أذى في جسده أخذ كفه صلى الله عليه وسلم فيضعها على موضع الأذى فيبرأ سريعاً بإذن الله تعالى. وكانوا إذا اعتلّ لهم بعير أو شاة فعلوا ذلك.
وروى أبو نعيم عن بعض من كان يرعى غنم حليمة أنهم كانوا يرون غنمها ما ترفع برؤوسها وترى الخضر في أفواهها وأبعارها، وما تزيد غنمنا على أن تربض ما تجد عوداً تأكله.
قالت حليمة: فلم يزل الله تعالى يرينا البركة ونتعرّفها، حتى بلغ صلى الله عليه وسلم سنتين، فكان يشبّ شباباً لا يشبه الغلمان.
وفي حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كان أول كلام تكلم به صلى الله عليه وسلم به حين فطمته: الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.
وروى أبو نعيم عن بعض رعاة حليمة قالوا: مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم سنتين حين فطم