للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكأنه أبن أربع سنين فقدموا به على أمه زائرين لها، وهم أحرص شيء على ردّه مكانه لما رأوا من عظم بركته، فلما كانوا بوادي السّرر لقيت نفراً من الحبشة فرافقتهم فسألوها فنظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نظراً شديداً ثم نظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه وإلى حمرة في عينيه فقالوا:

هل يشتكي عينه؟ قالت: لا ولكن هذه الحمرة لا تفارقه. قالوا: والله نبي. انتهى.

قالت: فقدمنا به إلى أمه فلما رأته قلنا لها: اتركي ابننا عندنا هذه السّنة فإننا نخاف عليه وباء مكة. فو الله ما زلنا بها حتى قالت نعم فسرحته معنا.

وعند أبي نعيم عن بعض رعاة حليمة أنها مرت بذي المجاز وهي راجعة برسول الله صلى الله عليه وسلم وبه عرّاف يؤتى إليه بالصبيان ينظر إليهم فلما نظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الحمرة بين عينيه وإلى خاتم النبوة صاح: يا معشر العرب اقتلوا هذا الصبي فليقتلنّ أهل دينكم وليكسرن أصنامكم وليظهرن أمره عليكم. فانسلّت به حليمة.

زاد ابن سعد: فجعل الهذلي يصيح: يا لهذيل يا لهذيل وآلهته إنّ هذا لينتظر أمراً من السماء. وجعل يغري بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلم ينشب أن دله فذهب عقله حتى مات كافراً.

فأقمنا شهرين أو ثلاثة، وكان صلى الله عليه وسلم يخرج فينظر إلى الصبيان يلعبون فيجتنبهم.

وفي حديث الزهري عند ابن سعد قال: كانت حليمة لا تدع رسول الله صلى الله عليه وسلم يذهب مكاناً بعيداً، فغفلت عنه يوما فخرج مع أخته الشّيماء في الظهيرة فخرجت حليمة تطلبه حتى وجدته مع أخته فقالت: في هذا الحر؟ فقالت أخته: يا أمّه ما وجد أخي حراراً رأيت غمامة تظلّ عليه إذا وقف وقفت وإذا سار سارت حتى انتهى إلي هذا الموضع. قالت: حقّاً يا بنية؟

قالت: إي والله. انتهى.

فقال لي يوما: يا أماه مالي لا أرى إخوتي بالنهار. قالت: يرعون بهماً غنماً لنا فيروحون من الليل إلى الليل. فقال: ابعثيني معهم. فكان صلى الله عليه وسلم يخرج مسروراً ويعود مسروراً. فلما كان يوماً من ذلك خرج. فلما انتصف النهار إذ جاءنا أخوه يشتدّ فقال: يا أبة ويا أمّة إلحقا أخي محمداً فما تلحقانه إلا ميّتاً. قلت: وما قصته قال: بينا نحن قيام إذ أتانا رجل فاختطفه من أوساطنا وعلا به ذروة جبل ونحن ننظر إليه حتى شق من صدره إلى عانته. وعند ابن إسحاق:

ورجلان عليهما ثياب بيض فشقّا بطنه فهما يسوطانه انتهى. وما أدري ما فعل.

فأقبلت أنا وأبوه نسعى سعياً فإذا به قاعداً على ذروة الجبل شاخصاً ببصره إلى السماء فنجده منتقعاً لونه فأكببت عليه وقبّلت بين عينيه وقلت: فدتك نفسي ما دهاك؟ قال: خيراً يا أماه بينا أنا الساعة قائم إذ أتاني رهطٌ ثلاث بيد أحدهم إبريق فضة وفي يد الثاني طست من زمّردة خضراء ملآن ثلجاً فأخذوني وانطلقوا بي إلى ذروة الجبل فأضجعوني إضجاعاً لطيفاً،