للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا قصّة يونس فقد مضى الكلام على بعضها آنفا، وليس في قصة يونس نصّ على ذنب، وإنما فيها: أبق وذهب مغاضبا وقد تكلمنا عليه.

وقيل: إنما نقم الله عليه خروجه عن قومه فارّا من نزول العذاب.

وقيل: بل لمّا وعدهم العذاب ثم عفا الله عنهم قال: والله لا ألقاهم بوجه كذّاب أبدا.

وقيل: بل كانوا يقتلون من كذب فخاف ذلك ...

وقيل: ضعف عن حمل أعباء الرسالة. وقد يقدم الكلام أنه لم يكذبهم.

وهذا كلّه ليس فيه نصّ على معصية إلّا على قول مرغوب عنه.

وقوله: إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ

[الصافات/ ١٤]- قال المفسرون تباعد.

وأما قوله: إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء ٨٧] ، فالظّلم وضع الشيء في غير موضعه، فهذا اعتراف منه عند بعضهم بذنبه، فإما أن يكون لخروجه عن قومه بغير إذن ربّه، أو لضعفه عمّا حمّله، أو لدعائه بالعذاب على قومه. وقد دعا نوح بهلاك قومه فلم يؤاخذ.

وقال الواسطي في معناه: نزّه ربّه عن الظّلم، وأضاف الظّلم إلى نفسه اعترافا واستحقاقا.

ومثل هذا قول آدم وحوّاء: رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا [الأعراف ٢٣] ، إذ كانا السبب في وضعهما غير الموضع الذي أنزلا فيه، وإخراجهما من الجنّة، وإنزالهما إلى الأرض.

وأما قصة داود عليه السلام فلا يجب أن يلتفت إلى ما سطّره فيه الأخباريون من أهل الكتاب الذين بدّلوا وغيّروا، ونقله بعض المفسرين. ولم ينصّ الله على شيءٍ من ذلك، ولا ورد في حديث صحيح. والذي نصّ الله عليه قوله: وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ. فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ [ص ٢٤، ٢٥] .

وقوله فيه: أَوَّابٌ.

فمعنى فتنّاه: اختبرناه. وأوّاب: قال قتادة: مطيع.

وهذا التفسير أولى.

وقال ابن عباس، وابن مسعود: ما زاد داود على أن قال للرجال: انزل لي عن امرأتك وأكفلنيها، فعاتبه الله على ذلك، ونبّهه عليه، وأنكر عليه شغله بالدنيا، وهذا الذي ينبغي أن يعوّل عليه من أمره.

وقيل: خطبها على خطبته.

وقيل: بل أحبّ بقلبه أن يستشهد.