للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى ابن قانع أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، سمعت أبي يقول فيك قولا قبيحا فقتلته! فلم يشقّ ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم.

وبلغ المهاجر بن أبي أمية أمير اليمن لأبي بكر رضي الله عنه أن امرأة هناك في الردّة غنّت بسبّ النبي صلى الله عليه وسلم، فقطع يدها، ونزع ثنيّتها، فبلغ أبا بكر رضي الله عنه ذلك، فقال له:

لولا ما فعلت لأمرتك بقتلها، لأنّ حدّ الأنبياء ليس بشبه الحدود.

وعن ابن عباس: هجت امرأة من خطمة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من لي بها؟ فقال رجل من قومها: أنا يا رسول الله. فنهض فقتلها، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: لا ينتطح فيها عنزان.

وعن ابن عباس أن أعمى كانت له أمّ ولد تسبّ النبي صلى الله عليه وسلم فيزجرها فلا تنزجر، فلما كانت ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وسلم وتشتمه، فقتلها، وأعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأهدر دمها.

وفي حديث أبي برزة الأسلمي: كنت يوما جالسا عند أبي بكر الصديق، فغضب على رجل من المسلمين- وحكى القاضي إسماعيل وغير واحد من الأئمة في هذا الحديث أنه سب أبا بكر.

ورواه النّسائي: أتيت أبا بكر، وقد أغلظ لرجل فردّ عليه، قال: فقلت: يا خليفة رسول الله، دعني أضرب عنقه. فقال: اجلس، فليس ذلك لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال القاضي أبو محمد بن نصر: ولم يخالف عليه أحد، فاستدلّ الأئمة بهذا الحديث على قتل من أغضب النبي صلى الله عليه وسلم بكلّ ما أغضبه أو آذاه أو سبّه.

ومن ذلك كتاب عمر بن عبد العزيز إلى عامله بالكوفة، وقد استشاره في قتل رجل سبّ عمر رضي الله عنه، فكتب إليه عمر: إنه لا يحلّ قتل امرئ مسلم بسبّ أحد من الناس إلا رجلا سب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن سبه فقد حلّ دمه.

وسأل الرشيد مالكا في رجل شتم النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر له أنّ فقهاء العراق أفتوه بجلده، فغضب مالك، وقال: يا أمير المؤمنين، ما بقاء الأمة بعد شتم نبيّها! من شتم الأنبياء قتل، ومن شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلد.

قال القاضي أبو الفضل رحمه الله تعالى: كذا وقع في هذه الحكاية، ورواها غير واحد من أصحاب مناقب مالك ومؤلّفي أخباره وغيرهم، ولا أدري من هؤلاء الفقهاء بالعراق الذين أفتوا الرشيد بما ذكر! وقد ذكرنا مذهب العراقيين بقتله، ولعلّهم ممن لم يشهر بعلم، أو من لا يوثق بفتواه، أو يميل به هواه بقتله أو يكون ما قاله يحمل على غير السبّ، فيكون الخلاف: هل