قال ابن المنير: لما توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسجّته الملائكة ودهش الناس واختلف أحوالهم في ذلك وأفحموا واختلطوا فمنهم من خبل ومنهم من أقعد ومنهم من أصمت فلم يطق الناس الكلام، ومنهم من أخبل فكان عمر فجعل يجلب ويصيح ما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى بن عمران حين غاب عن قومه أربعين ليلة ثم رجع إليهم، وكان ممن أقعد وفي لفظ عقر علي فلم يستطع حراكا، وكان من أخرس عثمان بن عفان حتى جعل يذهب به ويجاء ولا يستطيع كلاما، وأما عبد الله بن أنيس فأضنى حتى مات كمدا.
وروى ابن سعد عن عكرمة قال: لما توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالوا: عرج بروحه كما عرج بروح عيسى الحديث وقال العباس- رضي الله تعالى عنه-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يأسن كما يأسن البشر وإن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد مات ... إلى آخره، فهذا مرسل كما ترى، ورواه إسحاق بن راهويه بسند رجاله رجال البخاري إلا أنّ عكرمة لم يسمع من العباس فإن كان الواسطة بينهما عبد الله بن عباس فهو صحيح، وقد رواه الطبراني من طريق ابن عيينة عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن العباس بنحوه وهو على شرط البخاري.
قال الحافظ ابن حجر فما وجد بخطه: وهذا الذي قاله العباس لم ينقله عن توقيف بل اجتهادا على العادة ولا يستلزم أن يقع ذلك، ولما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تزيّنت الجنان لقدوم روحه الكريمة كزينة المدينة يوم قدومه إذا كان عرش الرّحمن قد اهتزّ بموت بعض أتباعه فرحا واستبشارا فكيف بقدوم روح الأرواح، وكادت الجمادات تتصدّع من ألم مفارقته- صلى الله عليه وسلم- فكيف بقلوب المؤمنين لما فقد الجذع الذي كان يخطب إليه قبل اتخاذ المنبر حنّ إليه وصاح، كان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى وقال: هذه خشبة تحن إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه.
فلو ذاق من طعم الفراق رضوى ... لكان من وجده يميد
فقد حمّلوني عذاب شوق ... يعجز عن حمله الحديد
وقال غيره:
وقد كان يدعى لابس الصّبر حازما ... فأصبح يدعى حازما حين يجزع
وروى أبو علي بن شاذان عن سالم بن عبيد الأشجعي قال: لما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان أجزع النّاس عليه عمر بن الخطاب.
وروى أبو الحسن البلاذري بسند جيد عن عروة قال: لما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دخل عمر فأصابه خبل فأقبل يقول ما مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم-.