عنه- فو الله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر يتلوها فعقرت وأنا قائم حتى وقعت على الأرض ما تحملني رجلاي، وعرفت حين تلاها أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد مات. زاد أبو الربيع فلما فرغ من خطبته التفت إلى عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- فقال: يا عمر أنت الذي تقول على باب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: والذي نفسي بيده ما مات رسول الله، أما علمت أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال يوم كذا وكذا، أو قال يوم كذا كذا وكذا، وقال الله تعالى في كتابه إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ [الزمر ٣٠] فقال عمر: لكأني والله لم أسمع بها في كتاب الله تعالى قبل ذلك لما نزل بنا، أشهد أن الكتاب كما نزّل، وأن الحديث كما حدّث، وأن الله تعالى حي لا يموت- صلوات الله وسلامه على رسوله- وعند الله تحتسب رسوله وقال عمر بن الخطاب- رضي الله تعالى عنه- فيما كان منه يومئذ:
وقلت يغيب الوحي عنّا لفقده ... كما غاب موسى ثمّ يرجع كما رجع
وكان هواي أن تطول حياته ... وليس لحيّ في بكا ميّت طمع
فلمّا كشفنا البرد عن حرّ وجهه ... إذا الأمر بالجزع المرعب قد وقع
فلم يك لي عند المصيبة حيلة ... أردّ بها أهل الشّماتة والقزع
سوى إذن الله في كتابه ... وما أذن الله العباد به يقع
وقد قلت من بعد المقالة قولة ... لها في حلوق الشّامتين به بشع
ألا إنّما كان النّبيّ محمّد ... إلى أجل وافى به الموت فانقطع
ندين على العلّات منّا بدينه ... ونعطي الّذي أعطى ونمنع ما منع
وولّيت محزونا بعين سخينة ... أكفكف دمعي والفؤاد قد انصدع
وقلت لعيني كلّ دمع دخرته ... فجودي به إنّ الشّجيّ له دفع
وروى ابن إسحاق عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن عمر- رضي الله تعالى عنه- قال له في خلافته: هل تدري ما حملني على مقالتي التي قلت حين توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: قلت: لا أدري يا أمير المؤمنين أنت أعلم قال: فإنه والله ما حملني على ذلك إلا أني كنت أقرأ هذه الآية: وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة ١٤٣] فو الله إني كنت لا أظن أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سيبقى في أمته حتى تشهد عليها بآخر أعمالها، فإنّه الذي حملني على أن قلت ما قلت.