قال ابن كثير: فلو صح حديث ابن مسعود أي السابق في باب جمعه أصحابه لكان نصّا في ذلك، ويكون في باب التعبد الذي لا نعقل معناه.
قلت: الحديث سنده جيد، وليس لأحد أن يقول إنه لم يكن لهم إمام، لأنهم إنما شرعوا في تجهيزه- عليه الصلاة والسلام- بعد تمام بيعة أبي بكر.
وقد اختلف في تعليله فقال الإمام الشافعيّ: إنما صلّوا عليه فرادى لعظم أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه وصلوا مرة بعد أخرى انتهى.
قال بعض العلماء: إنما لم يؤمّهم أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه إليه، ولتكرّر صلاة المسلمين عليه مرة بعد أخرى، من كل فرد فرد من آحاد الصحابة، رجالهم ونسائهم، وصبيانهم، حتى العبيد والإماء.
قال السهيلي وغيره: أن المسلمين صلّوا عليه أفذاذا لا يؤمّهم أحد، كلما جاءت طائفة صلّت عليه، وهذا مخصوص به- صلى الله عليه وسلم- ولا يكون هذا الفعل إلا عن توقيف.
وكذلك روى أنه أوصى بذلك ذكره الطبري [مسندا] ووجه الفقه فيه أن الله تعالى افترض الصلاة علينا عليه بقوله صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب: ٥٦] وحكم هذه الصلاة التي تضمنتها الآية أن لا تكون بإمام، والصلاة عليه عند موته داخلة في لفظ الآية وهي متناولة لها وللصلاة عليه على كل حال.
وأيضا: فإن الرب تبارك وتعالى [قد أخبر أنه يصلى عليه وملائكته فإذا كان الرب تعالى] هو المصلي والملائكة قيل: المؤمنين، وجب أن تكون صلاة المؤمنين تبعا لصلاة الملائكة وأن تكون الملائكة هم الإمام انتهى.
وقال أبو عمر- رحمه الله تعالى- وصلاة الناس عليه أفذاذا لم يؤمّهم أحد أمر مجمع عليه عند أهل السنة وجماعة أهل النّقل لا يختلفون فيه ووافق أبا عمر على ذلك خلائق من العلماء حكوا فيه الإجماع وتعقّب أبو عمر بعض المغاربة بأن ابن القصّار حكى الخلاف هل صلّوا عليه الصلاة والمعهودة أو دعوا فقط؟ وهل صلّوا أفرادا أو جماعة؟ واختلفوا فيمن أمّ بهم.
فقيل: أبو بكر، وروى ذلك بإسناد لا يصحّ فيه حرام بن عثمان وهو ضعيف جدّا.
قال ابن دحية: وهو ضعيف بيقين لضعف رواته وانقطاعه، وتعقّبه بعض العلماء بوجوه.
الأوّل: أن الموجود في كتب «المغازي» و «الحديث» هو ما ذكره ولم يوجد أنهم صلّوا عليه بإمام في حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف.
الثاني: قال الإمام الشافعي، ويحيى بن معين، والجوزجاني: الرواية عن حرام.