للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعلمه إلا أن تكون حنيفا. قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا اللَّه، فخرج فلقي عالما من النصارى. فذكر مثله. فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة اللَّه. قل: ما أفر إلا من لعنة اللَّه ولا أحمل من لعنته ولا من غضبه شيئاً وأنا أستطيعه. فهل تدلني على غيره؟ فقال: ما أعلمه إلا أن تكون حنيفا. قال: وما الحنيف؟

قال: دين إبراهيم لم يكن يهوديا ولا نصرانيا ولا يعبد إلا اللَّه. فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم خرج فلما برز رفع يديه فقال: اللهم أشهد أني على دين إبراهيم. [ (١) ]

وفي لفظ: فانطلق وهو يقول: لبيك حقا حقا تعبدا ورقا. ثم يخر ويسجد للكعبة.

قال ابن إسحاق: أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج يطلب دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم ويسأل الرهبان حتى بلغ الموصل والجزيرة كلها ثم أقبل إلى الشام حتى انتهى إلي راهب بميفعة من أرض البلقاء وكان ينتهي إليه علم النصرانية، فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم فقال: إنك لتطلب دينا ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم ولكن قد أظلك زمان نبي يخرج من بلادك التي خرجت منها يبعث بدين إبراهيم الحنيفية، فالحق فإنه مبعوث الآن فهذا زمانه. وكان قد شام اليهودية والنصرانية فلم يرض شيئاً منها، فخرج سريعا حين قال له ذلك الراهب ما قال يريد مكة حتى إذا توسط بلاد لخم عدوا عليه فقتلوه، فقال ورقة بن نوفل يرثيه:

رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما ... تجنبت تنورا من النار حاميا

بدينك ربا ليس رب كمثله ... وتركك أوثان الطواغي كما هيا

وإدراكك الدين الذي قد طلبته ... ولم تك عن توحيد ربك ساهيا

فأصبحت في دار كريم مقامها ... تعلل فيها بالكرامة لاهيا

تلاقي خليل اللَّه فيها ولم تكن ... من الناس جبارا إلى النار هاويا

وقد تدرك الإنسان رحمة ربه ... ولو كان تحت الأرض سبعين واديا

[ (٢) ]


[ (١) ] أخرجه البخاري ٧/ ١٧٦ (٣٨٢٧) .
[ (٢) ] تروى هذه الأبيات في البداية والنهاية البيت الأول والثاني والسادس فقط، انظر البداية والنهاية ٢/ ٢٣٨.
ويروي ابن كثير أيضا بعد البيت الأول:
لدينك ربا ليس كمثله ... وتركك جنان الجبال كما هيا
أقول إذا أهبطت أرضا مخوفة ... حنانيك لا تظهر علي الأعاديا
حنانيك إن الحب كانت رجاءهم ... وأنت إلهي ربنا ورجائيا
لتدركن المرء رحمة ربه ... وإن كان تحت الأرض سبعين واديا
أدين لرب يستجيب ولا أرى ... أدين لمن لا يسمع الدهر واعيا
أقول إذا صليت في كل بيعة ... تباركت قد أكثرت باسمك داعيا
انظر البداية والنهاية ٢/ ٢٤٣.