للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النبوة وتنبيه من تنبيهاتها لمشتركي العقول على ثبوت النبوة، لأن النبي إنما سمي نبيا لأنه ينبئ عن الغيب الذي لا تستقل العقول بإدراكه.

وقال ابن أبي جمرة رحمه اللَّه تعالى: إنما شبهت رؤياه بفلق الصبح دون غيره، لأن شمس النبوة قد كانت الرؤيا مبادئ أنوارها، فما زال ذلك النور يتسع حتى أشرقت الشمس وتم نورها، فمن كان باطنه نوريا كان في التصديق كأبي بكر الصديق، ومن كان باطنه مظلما كان في التكذيب خفاشا كأبي جهل، وبقية الناس بين هاتين المنزلتين، كل منهم بقدر ما أعطي من النور.

الثالث: قال الخطابي رحمه اللَّه تعالى: هذه الأمور التي كان النبي صلى الله عليه وسلم قد بدئ بها من صدق الرؤيا وحب العزلة عن الناس والخلوة في غار حراء والتعبد فيه ومواظبته عليه الليالي ذوات العاد إنما هي أسباب ومقدمات أرهصت لنبوته وجعلت مبادئ لظهورها، والخلوة يكون معها فراغ القلب وهي معينة على الفكر ومقطع لدعاوى الشغل، والبشر لا ينفك عن طباعه ولا يترك مألوفه من عاداته إلا بالرياضة البليغة والمعالجة الشديدة، فلطف اللَّه تعالى بينه محمد صلى الله عليه وسلم في بادية أمره فحبب إليه الخلوة وقطعه عن مخالطة البشر، ليتناسى المألوف من عاداتهم ويستمر على هجران ما لا يحمد من أخلاقهم وألزمه شعار التقوى وأقامه في مقام التعبد بين يديه ليخشع قلبه وتلين عريكته لورود الوحي فيجد منه مرادا سهلا ولا يصادفه حزنا وعرا، فجعلت هذه الأسباب مقدمات لما أرصد له من هذا الشأن ليرتاض بها ويستعد لما ندب إليه، ثم جاءه التوفيق والتبشير وأخذه بالقوة الإلهية، فجبرت منه النقائص البشرية وجمعت له الفضائل النبوية.

وقال غيره: من فوائد خلوة نفسه ما ألهمه اللَّه تعالى قبل ظهور الملك له ومخاطبته لما أراده اللَّه تعالى من صدوفه عن متعبدات قريش وعزوب نفسه الشريفة عن قرب أرجاس الأصنام وتبريه منه وبغضه لها وإقباله على التحنث وهو فعل البر والقرب.

الرابع: قال ابن أبي جمرة رحمه اللَّه تعالى: الحكمة في تخصيصه صلى الله عليه وسلم التخلي بغار حراء، أن المقيم فيه كان يمكنه رؤية الكعبة فيجتمع لمن يخلو فيه ثلاث عبادات: الخلوة والتعبد والنظر إلى البيت.

وقال الحافظ وكانت قريش تفعله كما كانت تصوم عاشوراء وإنما لم ينازعوا النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء مع مزيد الفضل فيه على غيره لأن جده عبد المطلب أول من كان يخلو فيه من قريش وكانوا يعظمونه لجلالته وكبر سنه، فتبعه على ذلك من كان يتأله، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخلو مكان جده فسلم له ذلك أعمامه لكرامته عليهم.