للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخامس: قوله: فرأى بمكة أن آت أتاه. الخ قال السهيلي رحمه اللَّه تعالى: ليس ذكر النوم حديث عائشة، بل يدل ظاهرة على أن نزول جبريل حين نزل بسورة اقرأ قد كان في اليقظة وقد يمكن الجمع بين الحديثين بأن يكون النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل في المنام قبل أن يأتيه في اليقظة توطئة وتيسيرا عليه ورفقا به، لأن أمر النبوة عظيم وعبؤها ثقيل والبشر ضعيف، وسيأتي في حديث الإسراء من مقالة العلماء ما يؤكد هذا الفرض ويصححه.

قال في «الزهر» : والأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليهم هذا شأنهم، فلا حاجة إلى ما ذكره السهيلي بقوله: وقد يمكن الخ، لأن الرواية بذلك لا بأس بسندها. وبسط الكلام على ذلك.

السادس: قال السهيلي: في كون الكتاب في نمط من الديباج إشارة إلى أن هذا الكتاب به يفتح على أمته ملك الأعاجم ويسلبونهم الديباج والحرير الذي كان زيهم وزينتهم وبه ينال أيضاً ملك الآخرة ولباس الجنة وهو الحرير والديباج.

السابع: يؤخذ من قول عائشة رضي اللَّه تعالى عنها: «فجاءه الملك فيه» - كما في كتاب التعبير من الصحيح- أي في الغار، دفع توهم من يظن أن الملك لم يدخل إليه الغار بل كلمه والنبي صلى الله عليه وسلم داخل الغار والملك خارجه على الباب.

قال الحافظ: وإذا علم أنه كان يجاور في غار حراء شهر رمضان وأن ابتداء الوحي جاءه وهو في الغار المذكور اقتضى ذلك أنه نبئ في شهر رمضان. ويعكر على قول ابن إسحاق أنه بعث على رأس الأربعين مع قوله: إنه ولد في شهر ربيع. ويمكن أن يكون المجيء في الغار كان أولا في شهر رمضان وحينئذ نبّيء وأنزل عليه: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ [العلق ١] ثم كان المجيء الثاني في شهر ربيع الأول بالإنذار وأنزلت عليه: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ [المدثر: ١] فيحمل قول ابن إسحاق: على رأس الأربعين: أي عند المجيء بالرسالة.

الثامن: فإن قيل: لم كرر: «أقرأ» ثلاث مرات؟

أجاب الإمام أبو شامة رحمه اللَّه تعالى بأنه يحتمل أن يكون قوله أولا:

«ما أنا بقارئ»

على الامتناع، وثانيا على الإخبار بالنفي المحض، وثالثا على الاستفهام. ويؤيده أن في رواية أبي الأسود في مغازيه عن عروة إنه قال: كيف أقرأ. وفي رواية عبيد بن عمير عند ابن إسحاق ماذا أقرأ. وفي مرسل الزهري عند البيهقي كيف أقرأ وكل ذلك يؤيد أنها استفهامية.

وقال الحافظ: لعل الحكمة في تكرير «اقرأ» الإشارة إلى انحصار الإيمان الذي ينشأ الوحي بسببه في ثلاث: القول والعمل والنية، وأن الوحي يشتمل على ثلاث: التوحيد والأحكام والقصص.