يصلي وقد غدت قريش وجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل، فلما سجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم احتمل أبو جهل الحجر ثم أقبل نحوه حتى إذا دنا منه رجع مهزوما منتقعا لونه مرعوبا قد يبست يداه على حجره حتى قذف بالحجر من يده.
وقامت إليه رجال من قريش فقالوا: ما بك يا أبا الحكم؟ قال: قمت إليه لأفعل ما قلت لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل لا واللَّه ما رأيت مثل هامته ولا قصرته ولا أنيابه لفحل قط، فهمّ بي أن يأكلني.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك جبريل لو دنا لأخذه.
قال ابن إسحاق: وأنزل اللَّه تعالى فيما سأله قومه لأنفسهم من تسيير الجبال وتقطيع الأرض وبعث من مضى من آبائهم: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ نقلت بِهِ الْجِبالُ عن أماكنها أَوْ قُطِّعَتْ شققت به الأرض فجعلت أنهارا وعيونا أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بأن يحيوا وجواب لو محذوف اكتفي بمعرفة السامعين مراده وتقديره: لكان هذا القرآن أو وهم يكفرون بالرحمن وإن أجيبوا إلى سؤالهم من تسيير الجبال وتقطيع الأرض وتكليم الموتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ أي أمر خلقه جَمِيعاً فيتصرف فيهم كيف يشاء.
وأنزل أيضا: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ التي اقترحها أهل مكة إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ لما أرسلناها فأهلكناهم ولو أرسلناها إلى هؤلاء لكذّبوا بها واستحقّوا الإهلاك، وقد حكمنا بإمهالهم لإتمام أمر محمد صلى الله عليه وسلم.
قال ابن إسحاق: وأنزل اللَّه سبحانه وتعالى في قولهم: خذ لنفسك سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدّقك إلى آخره: وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا هلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً يصدّقه أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ من السماء ينفقه ولا يحتاج إلى المشي في الأسواق لطلب المعاش أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ بستان يَأْكُلُ مِنْها أي من ثمارها فيكتفي بها وفي قراءة: نأكل بالنون أي نحن فيكون له علينا مزيّة بها. وَقالَ الظَّالِمُونَ أي الكافرون للمؤمنين إِنْ ما تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً مخدوعا مغلوبا على عقله قال تعالى: انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ بالمسحور والمحتاج إلى ما ينفقه وإلى ملك يقوم معه بالأمر فَضَلُّوا بذلك عن الهدى فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا طريقا إليه تَبارَكَ تكاثر خير الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ الذي قالوا من الكنز والبستان جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أي في الدنيا لأنه شاء أن يعطيه إياها في الآخرة وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً أيضا إلى قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ فأنت مثلهم في ذلك وقد قيل هم كما قد قيل لك وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً بلية ابتلي بها الغنيّ بالفقير والصحيح