للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ قال: إذا حدّث ألقى الشيطان في حديثه [ (١) ] فَيَنْسَخُ اللَّهُ يبطل ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ يثبتها وَاللَّهُ عَلِيمٌ بإلقاء الشيطان ما ذكر حَكِيمٌ [الحج: ٥٢] في تمكينه منه يفعل ما يشاء إلى آخر الآية.

والذي قدمناه من قصة الغرانيق له طرق كثيرة ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتجّ مثلها من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها بعضا روى الأول: ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.

قلت: ورواه الحافظ ضياء الدين المقدسي في صحيحه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.

والثاني: رواه ابن جرير عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.

والثالث: رواه ابن جرير عن أبي العالية.

قال الحافظ: وقد تجرّأ أبو بكر بن العربي كعادته فقال: ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها. وهو إطلاق مردود عليه. وكذا قول القاضي: هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم إلى آخر كلامه. قال الحافظ: جميع ذلك لا يتمشّى على القواعد، فإنّ الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن للقصة أصلا [ (٢) ] . انتهى وسيأتي الكلام على ذلك بأبسط مما هنا في أبواب عصمته صلى الله عليه وسلم.

قال ابن إسحاق فلما أن بلغ المسلمين الذين بأرض الحبشة ذلك وأن أهل مكة أسلموا حتى إن الوليد بن المغيرة وأبا أحيحة قد سجدا خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال القوم: فمن بقي بمكة إذا أسلم هؤلاء؟ وقالوا: عشائرنا أحبّ إلينا. فخرجوا راجعين حتى إذا كانوا دون مكة بساعة.


[ (١) ] أخرجه البخاري ٨/ ٢٩٢ كتاب التفسير وقال الحافظ: وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مقطعا.
[ (٢) ] قال ابن حجر في الفتح ٨/ ٢٩٣ عند الكلام على حديث الغرانيق: أخرجه البزار وابن مردويه من طريق أمية بن خالد عن شعبة فقال في إسناده «عن سعيد بن جبير عن ابن عباس» فيما أحسب، ثم ساق الحديث، وقال البزار: لا يروى متصلا إلا بهذا الإسناد، تفرد بوصله أمية بن خالد وهو ثقة مشهور، قال: وإنما يروى هذا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس انتهى. والكلبي متروك ولا يعتمد عليه، وكذا أخرجه النحاس بسند آخر فيه الواقدي، وذكره ابن إسحاق في السيرة مطولا وأسندها عن محمد بن كعب، وكذلك موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب الزهري، وكذا ذكره أبو معشر في السيرة له عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس وأورده من طريقه الطبري، وأورده ابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السّدي، ورواه ابن مردويه من طريق عباد بن صهيب عن يحيى بن كثير عن الكلبي عن أبي صالح وعن أبي بكر الهذلي وأيوب عن عكرمة وسليمان التيمي عمن حدثه ثلاثتهم عن ابن عباس، وأوردها الطبري أيضاً من طريق العوفي عن ابن عباس، ومعناهم كلهم في ذلك واحدا، وكلها سوى طريق سعيد بن جبير إما ضعيف وإما منقطع، لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلاً مع أن لها طريقين آخرين مرسلين رجالهما على شرط الصحيحين أحدهما ما أخرجه الطبري من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فذكر نحوهن، والثاني ما أخرجه أيضاً من طريق المعتمر بن سليمان وحمّاد بن سلمة فرقهما عن داود