للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من نهار لقوا ركبا من كنانة فسألوهم عن قريش وعن حالهم فقال الركب: ذكر محمد آلهتهم بخير فتابعه الملأ ثم رجع فعاد لشتم آلهتهم وعادوا له بالشرّ فتركناهم على ذلك.

فائتمر القوم بالرجوع إلى الحبشة ثم قالوا: قد بلغنا ندخل فنظر ما فيه قريش ويحدث عهدا من أراد بأهله ثم يرجع.

ولم يدخل أحد منهم إلا بجوار أو مستخفيا إلا ابن مسعود فإنه مكث يسيرا ثم رجع إلى أرض الحبشة وكانوا خرجوا في رجب سنة خمس فأقاموا شعبان ورمضان، وكانت السجدة في رمضان وقدموا في شوال من السنة المذكورة.


[ () ] ابن أبي هند عن أبي العالية، وقد تجرأ أبو بكر بن العربي كعادته فقال: ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها، وهو إطلاق مردود عليه. وكذا قول عياض هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده، وكذا قوله: ومن حملت عنه هذه القصة من التابعين والمفسرين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم في ذلك ضعيفة واهية، قال وقد بين البزار إنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره إلا طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير مع الشك الذي وقع في وصله، وأما الكلبي فلا تجوز الرواية عنه لقوة ضعفه. ثم رده من طريق النظر بأن ذلك لو وقع لارتد كثير ممن أسلم، قال: ولم ينقل ذلك انتهى، وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد، فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا، وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض، وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر وهو قوله «ألقى الشيطان على لسانه: تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى» فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنه يستحيل عليه صلّى الله عليه وسلّم أن يزيد في القرآن عمدا ما ليس منه، وكذا سهوا إذا كان مغايرا لما جاء به في التوحيد لمكان عصمته. وقد سلك العلماء في ذلك ما سلك، فقيل جرى ذلك على لسانه حين أصابته سنة وهو لا يشعر، فلما علم بذلك أحكم اللَّه آياته. وهذا أخرجه الطبري عن قتادة، ورد عياض بأنه لا يصح لكونه لا يجوز على النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا ولاية للشيطان عليه في النوم، وقيل: إن الشيطان ألجأه إلى أن قال ذلك بغير اختياره، ورده ابن العربي بقوله تعالى حكاية عن الشيطان وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ الآية قال: فلو كان للشيطان قوة على لما بقي لأحد قوة في طاعة. وقيل: إن المشركين إذا ذكروا آلهتهم وصفوهم بذلك، فعلق ذلك بحفظه صلّى الله عليه وسلّم فجرى على لسانه لما ذكرهم سهوا. وقد رد ذلك عياض فأجاد.
وقيل لعله توبيخا للكفار، قال عياض: وهذا جائز إذا كانت هناك قرينة تدل على المراد، ولا سيما وقد كان الكلام في ذلك الوقت في الصلاة جائزا. وإلى هذا نحا الباقلاني. وقيل إنه لما وصل إلى قوله وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى خشي المشركون أن يأتي بعدها بشيء يذم آلهتهم به فبادروا إلى ذلك فخلطوه في تلاوة النبي صلّى الله عليه وسلّم على عادتهم في قولهم لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ ونسب ذلك للشيطان لكونه الحامل لهم على ذلك، أو المراد بالشيطان شيطان الإنس. وقيل: المراد بالغرانيق العلى الملائكة وكان الكفار يقولون: الملائكة بنات اللَّه ويعبدونها، فسيق ذكر الكل ليرد عليهم بقوله تعالى أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى فلما سمعه المشركون حملوه على الجميع وقالوا: قد عظم آلهتنا، ورضوا بذلك، فنسخ اللَّه تلك الكلمتين وأحكم آياته. وقيل: كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يرتل القرآن فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله وأشاعها. قال: وهذا أحسن الوجوه. ويؤيده ما تقدم في صدر الكلام عن ابن عباس من تفسير تَمَنَّى بتلا. وكذا استحسن ابن العربي هذا التأويل وقال قبله إن هذه الآية نص في مذهبنا في براءة النبي صلّى الله عليه وسلّم مما نسب إليه. قال: ومعنى قوله فِي أُمْنِيَّتِهِ أي في تلاوته، فأخبر تعالى في هذه الآية أن سنته في رسله إذا قالوا قولا زاد الشيطان فيه من قبل نفسه، فهذا نص في أن الشيطان زاده في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم لا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قاله قال: وقد سبق إلى ذلك الطبري لجلالة قدره وسعة علمه وشدة ساعده في النظر فصوب على هذا المعنى وحوم عليه.