للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان من قدم على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم ومنهم من أقام بها حتى هاجر إلى المدينة فشهد معه بدرا ومنهم من حبس عنه حتى فاته بدر وغيره، ومنهم من مات بمكة. ودخل عثمان بن مظعون بجوار من الوليد بن المغيرة.

فلما قدم أولئك النفر مكة اشتد عليهم قومهم وسطت عليهم عشائرهم ولقوا منهم أذى شديدا.

ولما رأى عثمان بن مظعون ما فيه أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلّم من البلاء وهو يغدو ويروح في أمان الوليد بن المغيرة قال: واللَّه إن غدوّي ورواحي آمنا بجوار رجل من أهل الشرك وأصحابي وأهل ديني يلقون من البلاء والأذى في اللَّه ما لا يصيبني لنقص كبير في نفسي.

فمشى إلى الوليد فقال يا أبا عبد شمس وفت ذمتك وقد رددت إليك جوارك. قال: لم يا بن أخي، لعله آذاك أحد من قومي؟ قال: لا ولكني أرضى بجوار اللَّه عز وجل ولا أريد أن أستجير بغيره. قال: فانطلق إلى المسجد فاردد عليّ جواري علانية كما أجرتك علانية. فانطلقا حتى أتيا المسجد فقال الوليد: هذا عثمان قد جاء يردّ عليّ جواري. قال: صدق قد وجدته وفيّا كريم الجوار ولكنني قد أحببت ألا أستجير بغير اللَّه عز وجل فقد رددت عليه جواره.

ثم انصرف عثمان ولبيد بن ربيعة بن مالك في مجلس من قريش ينشدهم قبل إسلامه، فجلس عثمان معهم فقال لبيد:

ألا كل شيء ما خلا اللَّه باطل

فقال عثمان: صدقت.

فقال لبيد:

وكلّ نعيم لا محالة زائل

[ (١) ] فقال عثمان: كذبت، نعيم الجنة لا يزول. قال لبيد: يا معشر قريش واللَّه ما كان يؤذي جليسكم فمتى حدث هذا فيكم؟ فقال رجل من القوم: إن هذا سفيه في سفهاء معه قد فارقوا ديننا فلا تجدنّ في نفسك من قوله. فردّ عليه عثمان حتى شري أمرهما فقام ذلك الرجل فلطم عينه فخضّرها والوليد بن المغيرة قريب يرى ما بلغ عثمان فقال: أما واللَّه يا ابن أخي إن كانت عينك عمّا أصابها لغنيّة ولقد كنت في ذمة منيعة. فقال عثمان: بل واللَّه إن عيني الصحيحة لفقيرة إلى مثل ما أصاب أختها في اللَّه عز وجل وإني لفي جوار من هو أعزّ وأقدر يا أبا عبد شمس. فقال له الوليد: هلمّ يا ابن أخي إن شئت إلى جوارك فعد. فقال: لا.

ولما أجار أبو طالب أبا سلمة بن عبد الأسد مشى إليه رجال من بني مخزوم فقالوا له:


[ (١) ] انظر الروض الأنف ٢/ ١٢٠، والبداية والنهاية ٣/ ٩٢.