للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وصارت مِلك الموهوب له، لكنَّها لا تلزم إلَّا بالقبض؛ لحديث عائشة قالت: (إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ؛ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: وَاللهِ يَا بُنَيَّةُ مَا مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ، وَلَا أَعَزُّ عَلَيَّ فَقْرًا بَعْدِي مِنْكِ، وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا، فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ؛ فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللّاهِ) [أخرجه مالك].

فدلَّ قوله: (فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحْتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ) على أنَّ الهبة تلزم بالقبض. وعلى ذلك فللواهب الرجوع فيها قبل القبض، أمَّا إذا قبضها الموهوبُ له فقد صارت لازمة، ولا يملك الواهبُ الرجوع فيها حينئذٍ، وما حصل فيها من نماءٍ بعد العقد -كما لو ولدت الفَرَس أو النَّاقة-، فهو للموهوب له؛ لأنَّه نماء ملكه، وعلى الواهب تسليمه إياه.

ويشترطُ في القبض أن يكون بإذن الواهب، فإذا قبضها الموهوب له بغير إذنه لم تتمَّ الهِبَة، ولم يصحَّ القبض؛ لأنَّه قبضٌ غير مستحقٍّ على الواهب؛ فلم يصحَّ بغير إذنه؛ كأصل العقد.

ويحصل القبض بحسب نوع الموهوب؛ كما في قبض المبيع؛ فإن كان مكيلاً؛ كالبُرِّ، والأَرُزِّ، والذُّرة، ونحو ذلك؛ فقَبْضُه يكون بكَيْلِه. وإن كان موزوناً؛ كالذَّهب، والفضِّة، والحديد، واللُّحوم، ونحو ذلك ممَّا يوزن، فقَبْضُه يكون بوَزْنِه. وإن كان مذروعاً -كالأقمشة مثلاً-؛ فقَبْضُه يكون بذَرْعه. وإن كان معدوداً؛ كالبطيخ، والقَرْع، ونحو ذلك، فقَبْضُه يكون بِعَدِّه. وإن كان الموهوب ممَّا يُنْقَلُ؛