للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو صفته، أو جُهل القَدْر والصفة معاً، بل يصحُّ الإبراء ولو لم يتعذَّر معرفة قَدْر الدَّين أو صفته؛ لحديث أمِّ سلمة أنَّ النبيَّ قال لرَجُلَيْنِ بينهما خصومة في ميراثٍ: (فَاقْتَسِمَا وَتَوَخَّيَا الحَقَّ، ثُمَّ اسْتَهِمَا، ثُمَّ تَحَالَّا [أخرجه أبو داود]. ولأنَّه إسقاط حقٍّ فينفُذ مع العلم والجهل.

إلَّا إذا جَهِلَه الدَّائن وعَلِمَه المدين لكنَّه كتمه عن الدَّائن؛ خوفاً من أنَّه لو عَلِمَه لم يبرئه منه؛ فلا يصح الإبراء حينئذٍ؛ لأنَّه هضمٌ للحقِّ، وتغرير لصاحبه، وهو بمثابة إذن المُكرَه.

أمَّا هبة الدَّيْن لغير من هو عليه فلا تصحُّ؛ كما لو قال لزيدٍ مثلاً: وهبتك الدَّين الذي في ذِمَّة عمروٍ؛ لأنَّه غير مقدور على تسليمه. إلَّا إذا كان ضامناً للدَّين، فتصحُّ هبته له؛ لأنَّ الدَّين متعلِّق بذمِّته كالمدين.

ثاني عشر: الرُّجوعُ في الهِبَةِ:

للواهب أن يرجع في هبته إذا كان ذلك قبل قبضها من قِبل الموهوب له؛ لأنَّ مِلك الواهب عليها لا يزال باقياً؛ إذْ إنَّها لا تلزم إلَّا بالقبض -كما تقدَّم-. لكن يُكره له ذلك؛ خروجاً من خلاف مَنْ قال: إنَّها تلزم بمجرَّد العقد.

ولا يكون الرجوع إلَّا بالقول؛ كأن يقول: رَجَعْتُ في هبتي، أو ارتجعتُها، أو رددتُها، أو أَعَدْتُها إلى مِلْكي، ونحو ذلك ممَّا يدلُّ على الرُّجوع، فلا يكفي الرُّجوع بالنيَّة، ولا بفعلٍ يدلُّ على الرجوع؛ لأنَّ مِلك الهبة قد ثبت للموهوب له يقيناً، فلا يزول إلَّا بيقينٍ، وهو التَّصريح بالرُّجوع.

أمَّا بعد قبضها فلا يصحُّ رجوعه، بل ويَحْرُم عليه؛ لحديث ابن عباس