للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنَّ الخلق لا بُدَّ لهم من وازعٍ دِينِيٍّ، أو رادِعٍ سلطانيٍّ يمنعهم من التَّفريط في الواجبات والوقوع في المحرَّمات، فإذا وُجِدَ الوازِعُ الدِّينِيُّ فقد يُكتفَى به؛ لأنَّ النَّاس تصلح أحوالهم به، وإذا ضَعُف الوازِعُ الدِّينِيُّ بقي الرَّادِع السُّلْطانيُّ؛ فلذا اقتضت الحِكمَةُ مشروعيَّة التَّعزير؛ لما فيه من سياسة الخَلْق، وإلزامهم بطاعة الله ، وتَرْك معصيته؛ لأنَّه إذا ضَعُف الرَّادِع السُّلطانيُّ مع ضَعْف الوازِعِ الدِّينِيِّ فَسَدَت الأمور.

رابعاً: مِنْ أَحْكامِ التَّعْزير:

أ - التَّعزير من حقوق الله تعالى؛ فلا يحتاج في إقامته إلى مطالبةٍ؛ لأنَّه شُرِع للتأديب، فيُقِيمُه الحاكمُ أو من ينوبه دون مطالبةٍ؛ إلَّا إذا شَتَمَ الوَلَدُ وَالِدَه فإنَّه لا يجوز تعزيرُه إلَّا بطَلَبِ والِدِه؛ لأنَّ للوالِدِ تعزيره بنفسه للتَّأديب.

ب- لا يُعزَّرُ الوالد بشَتْمِ وَلَدِه؛ لقول النبيِّ : (أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ) [رواه أحمد، وابن ماجه]، وقياساً على عدم حَدِّه إذا قَذَفَه.

ج- يكون التَّعزير بالضَّرب، والحَبْس، والصَّفْع، والتَّوبيخ، والعَزْل من المَنْصِب، ونحو ذلك؛ بحسب ما يراه الحاكم أو من ينوبه؛ وذلك لتفاوت الجرائم شِدَّةً وضَعْفاً، واختلاف الأحوال والأزمان؛ فكان تقدير العقوبة راجعاً إلى اجتهاد ولاة الأمور بحسب الحاجة والمصلحة. وعن بَهْز بن حكيمٍ عن أبيه عن جدِّه: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ حَبَسَ رَجُلًا فِي تُهْمَةٍ، ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ) [رواه أبو داود، والترمذي، والنسائي].