للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي سراج المريدين لابن العربي: إن الله خلق الأرض مختلفة محدودبة ويخلقها يوم القيامة مستوية، لا ترى فيها عِوجاً ولا أمتاً، متماثلة بيضاء كخبرة النقي، كما في الصحيح، وأما تبديل السموات فليس في كيفيتها حديث، وإنما هو مجهول. وفي حديث مسلم: «أين يكون الناس يوم تبدل الأرض؟ قال: هم على الصراط» . قال: يحتمل أنه الصراط المعروف، ويحتمل أنه اسم لموضع غيره، تستقر الأقدام عليه، وكأنه الأظهر للحديث الآخر. وقد سألته عائشة- رضى الله عنها- أين يكون الناس يوم تبدل الأرض؟ قال صلى الله عليه وسلم: «هُمْ في الظُّلْمَةِ دُونَ الجسْر» «١» .

والجسر: الصراط. هـ.

أما تبديل الأرض: فظاهر الآيات أنها قبل البعث والحشر، فلا يقع البعث والحشر، إلا على الأرض المبدلة كقوله: وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَحَشَرْناهُمْ «٢» . وقوله: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قَاعاً صَفْصَفاً «٣» .. ثم قال: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ «٤» . وقوله: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ «٥» ، ثم قال: إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا «٦» ، إلى غير ذلك من الآيات. والأرواح حينئذٍ أضياف الله، أو في ظل العرش، أو دون الجسر، حيث يعلم الله. وأما تبديل السماوات فظاهر الأخبار أنه وقت وقوف الناس في المحشر، حيث تشقق السماء بالغمام وتنزل الملائكة تنزيلاً. والله تعالى أعلم.

وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ، أي: وبرزوا من أجداثهم لمحاسبة الواحد القهار، أو لمجازاته. وتوصيفه بالوصفين للدلالة على أنه في غاية الصعوبة، كقوله: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ «٧» ، وأن الأمر إذا كان لواحد غلاب لا يغالب فلا مستغاث لأحد إلى غيره ولا مستجار، وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ: قرن بعضهم إلى بعض فِي الْأَصْفادِ: في القيود، أو الأغلال، كل واحد قُرن مع صاحبه، على حسب مشاركتهم في العقائد والأعمال، كقوله: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ «٨» . أو قُرنوا مع الشياطين، أو مع ما اكتسبوا من العقائد الزائفة والأهوية الفاسدة، أو قرنت أيديهم وأرجلهم إلى رقابهم بالأغلال. فقوله: فِي الْأَصْفادِ: متعلق بمقرنين، أو حال من ضميره. والصفد: القيد أو الغل.

سَرابِيلُهُمْ: قُمصانُهم، والسربال: القميص، مِنْ قَطِرانٍ، وهو الذي تهنأ به الإبل، أي: تدهن به.

وللنار فيه اشتعال شديد، فلذلك جُعِل قَميصَ أهل النار. قال البيضاوي: وهو أسود منتن، تشتعل فيه النار بسرعة،


(١) أخرجه مسلم مطولا فى (الحيض، باب بيان صفة منى الرجل والمرأة) من حديث ثَوبَانَ، مَولى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
(٢) من الآية ٤٧ من سورة الكهف.
(٣) الآيتان ١٠٥- ١٠٦ من سورة طه.
(٤) من الآية ١٠٨ من سورة طه.
(٥) الآية الأولى من سورة الواقعة.
(٦) الآيتان: ٤- ٥ من سورة الواقعة.
(٧) الآية ١٦ من سورة غافر.
(٨) الآية ٧ من سورة التكوير.

<<  <  ج: ص:  >  >>